محمد عفري
أرقام الإصابة بعدوى كوفيد 19مستمرة . منطقي أن تستمر العدوى في ظل العودة إلى الحياة الطبيعية بما تضمن صيرورة النشاط الاقتصادي والإداري والخدماتي ، وما تفرضه من تنقل للمواطنين داخل المدن وخارجها من اجل العمل والتجارة وقضاء المآرب المختلفة ..
واهِمُ من يعتقد أن كورونا المستجد الشرس سيتوقف عن الاجتياح بين عشية وضحاها.. كلا ! أخطر فيروس في تاريخ البشرية ؛ مازال يعيش بين ظهرانينا كما يحلو له ويبدو. حتى ارتفاع الحرارة التي روّج لها كثيرون وراهنوا عليها لانخفاض شراسته ،اتضح أنها، مجرد إشاعة سقطت في مطبها المنظمة العالمية للصحة بـ”جلال” قدرها.. كوفيد 19 مايزال بيننا ، يتغدى من سوء سلوكنا ؛ ينمو بانتشاره في سرعة البرق انى وجد أدنى فرصة ، يصيب بالعدوى بالآلاف في العالم و يفتك بالمئات يوميا ، دون شفقة، مادامت خطورته هي السرعة في الانتشار والسهولة في التنقل بين الأفراد ، لمجرد التفريط في أدنى وسائل الوقاية ؛ أي النظافة المستمرة والتعقيم الواجب والحيطة من الاكتظاظ ، بمفهوم ضرورة التباعد الاجتماعي، والحذر من تجاوز مسافة الأمان ؛ ومادام اللقاح الناجع والدواء الشافي يوجدان في غيب اكتشافات علوم الأوبئة والفيروسات ويدخلان في السباق المحموم لكبار مصنعي الأدوية في الدول القوية ، المتحكمة في صحة العالم ووقايته.
المغرب طبعا ليس في معزل عن العالم . خرج بنجاعة الحجر الصحي وتدابيره الوقائية التي كدت في تنزيلها، في الوقت المناسب ،المؤسسات والسلطات بتآزر مع المواطنين ، بأقل الأضرار والخسائر؛ لكن مع استئناف الحياة العادية ، في ظل مخطط تخفيف الحجر الصحي ساد الخوف من الانزلاق إلى فقدان المكاسب المحققة . الارتفاع في عدد الإصابات و في الحالات الحرجة و في عدد الموتى ، و إن كان يقابله الارتفاع في أعداد حالات التعافي ، فالخوف سائد ومسيطر كما هي الحالة الوبائية مستقرة ومسيطر عليها بلسان جل السلطات ، والصحية منها بالخصوص.
ارتفاع أعداد الإصابة بالعدوى في عدد من الجهات بسبب البؤر الصناعية والمهنية بالخصوص التي رفعت إجمالي المغاربة المصابين إلى أكثر من سبعة عشر ألف موبوء ، جعل المغرب في الرتبة الخامسة والثلاثين عالميا والثانية قاريا والخامسة بجهة الشرق الأوسط من حيث عدد التحاليل المخبرية للكشف عن الفيروس .
إذا كان من دواعي الفخر أن يكون عدد المستبعدين الناجين من الإصابة بكورونا نتيجة تحاليلهم السلبية قد قارب المليون وثلاثين ألف “غانم سالم” من الوباء ، فإنه من المنطقي أن يكون المغرب على هكذا رتبة ” مشرفة” وقائيا، نتيجة توسيع دائرة الكشف المخبري على الموبوئين من البؤر وعلى المخالطين والعائدين من دول المهجر ..
من شرفة صغيرة هي الشاشة التلفزية ،أزاحت لنا القناة الأولى الستار عن جناح العناية المركّزة بمستشفى الحسن الثاني بالعاصمة العلمية، فاس . اكتشفنا أن عدد الأسرة بهذا الجناح الذي يرقد فيه أصحاب الحالات الحرجة لا يتجاوز الثلاثة عشر سريرا .أما عدد الراقدين بسبب الإصابة بكورونا المستجد والإحراج الصحي ، من أجل جرعات تنفس اصطناعي و أمل في الحياة، فيبلغ أحد عشر مريضا شافاهم الله وعافاهم وأطال عمرهم . إذا كانت الخلاصة هادفة ومعبرة ؛ سريران اثنان فقط هما المتبقيان من الطاقة الاستيعابية لجناح العناية المركزة بهذا المستشفى ، فإن الرسالة واضحة إلى المواطنين كما إلى المسؤولين عن الوحدات الإنتاجية والصناعية و الخدماتية والسياحية ووسائل النقل ؛تعني ألا تهاون مع فيروس سريع الانتشار وفتاك . لا استصغار للتدابير الاحترازية للحيطة والحذر من وباء شرس قضى على الآلاف وأصاب الملايين في ظرف وجيز. لا تراخي عن استعمال الكمامة واحترام مسافة الأمان والتباعد الاجتماعي.
لنتفادى الإصابة بالعدوى ولنتفادى استنزاف الطاقة الاستيعابية للمستشفيات “الرسمية” والمستشفيات الميدانية التي كدت الدولة في إحداثها تزامنا مع بداية الاجتياح الوبائي. لنتفادى استنزاف مجهودات “الجيوش” الطبية والتمريضية التي وقفت في الصف الأمامي سدا منيعا في وجه كورونا المستجد حين اشتداد ذروته وماتزال واقفة للصد إلى الآن.
لنتساءل من نحن أمام باقي الدول في أوروبا مثلا، وما برامجنا وسياساتنا الاستشفائية وما بروتوكولاتنا الدوائية ومع ذلك نجحنا..لنحتاط ، لنحذر ولنستمر على درب النجاح بالوقاية من فيروس قهر ويقهر العالم أجمع..