ليست محطة عابرة أن يتكلف وزير الداخلية بتدبير الحوار مع الأحزاب السياسية بخصوص الإعداد للانتخابات المزمع تنظيمها السنة المقبلة. فقرار جلالة الملك محمد السادس إصدار الأوامر لوزير الداخلية قصد إجراء المشاورات اللازمة مع زعماء وقادة الأحزاب السياسية قبيل إعداد الترسانة القانونية للانتخابات، يحمل دلالات واضحة، تقتضي وضع القطار على سكته الطبيعية، بعد أن حادت به السياسة عن المحجة التي رسمتها المملكة لنفسها.
الديمقراطية في المغرب كالمحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك سياسيا. الديمقراطية المغربية مبنية على التوافق السياسي، الذي غاب عن الحكومة الحالية التي استأسدت بحكم كونها تتوفر على أغلبية متضخمة عدديا مما سهل عليها تمرير كل ما تشاء من القوانين، التي كانت تخدم فقط فئات محددة أو ما أطلقنا عليه منذ البداية “تجمع المصالح الكبرى”.
على عكس ما جرت العادة منذ دستور 2011، لم يترأس رئيس الحكومة الاجتماع التشاوري مع القيادات الحزبية، بما يعني أن الحكومة أصبحت خارج سياق الإعداد للانتخابات بعد تكليف وزير الداخلية، المحسوب من وزراء السيادة، بهذا الأمر.
ونرى أن الحكومة تعاني من قصور كبير ناتج عن أمرين مهمين:
الأول، هو الرفض الشعبي لهذه الحكومة، التي خلفت قراراتها كوارث اجتماعية كبيرة، حيث استحوذت على التشريع لوحدها، دون أن تعمل بالمقاربة التشاركية، التي تبناها المغرب من خلال الإعداد لصياغة الدستور الحالي.
وكما العادة فإن جلالة الملك دائما في الإصغاء التام والاستماع الكلي لنبض الشعب ولصةوت الشارع، وكلنا نتذكر أنه بعد خروج الشباب إلى الشارع سنة 2011 كان جلالته أسرع استجابة لصوت الشباب حتى لا يستغله شيوخ السياسة، مما اثمر دستورا غير مسبوق، رغم أن الحكومات لم تكن في مستواه غير أنه يبقى الضمانة الكلية للمشهد السياسي المغربي حيث يتحاكم إليه المغاربة.
وهكذا فإن قرار إبعاد الحكومة عن الإشراف السياسي على الانتخابات هو استجابة لصوت الشعب ونبضه الرافض للحكومة، التي تميزت فقط برفع الأسعار وإنهاك قدرات المواطن الشرائية.
الثاني، هو ضرب صورة المغرب الديمقراطية، التي بناها عبر سنوات طويلة، وذلك من خلال المنهج الإقصائي، الذي تبنته الحكومة الحالية، التي ما تركت حزبا إلا وأبعدته، ولا نقابة إلا وأخرجتها من حساباتها، وتنظيما إلا هيمنت عليه، واستثمرت كل شيء من أجل شيء واحد ألا وهو الهيمنة والاحتكار بدءا من التشريع، الذي لم يعد له من معنى سوى أن مشاريع قوانين تأتي من الحكومة وتصل إلى البرلمان ليصوت عليها مع شكليات بسيطة في التقديم والمناقشة، ولكن مطلب الوزراء هو الإسراع بتمرير مشاريع القوانين كأنهم في سباق مع الزمن.
هذه الأسباب مجتمعة جعلت من المستحيل أن تكون الحكومة هي المشرف السياسي على الانتخابات التي تحتاج لحياد كامل حتى تمر كما يصبو إلى ذلك جلالة الملك والشعب المغربي.