*محمد عفري
مر مؤخرا اليوم العالمي لمكافحة تشغيل الأطفال (12 يونيو) ، مرور الكرام ؛ هادئا باهتا ، دون اهتمام أو انتباه يذكر .
المشهد العام لوباء كورونا في العالم ، بأرقام الموبوئين والضحايا والمتعافين والبروتوكولات الدوائية الاستشرافية للقضاء على أخطر فيروس في الكون ، غطى عن هول الأرقام التي تتحدث عن استمرار العبودية المقنَّنة والمقنّعة التي مازال ملايين أطفال العالم يرزحون تحتها ؛ أسرى وعبيدا ، مستغَلين بكل الأشكال.
رغم صرامة المواثيق الدولية التي انخرطت فيها غالبية دول البسيطة والتزمت بها ، منذ السنوات الأولى لتأسيس هيئة اللأمم المتحدة ، ورغم القوانين الزجرية والنداءات التحسيسية ؛ لازال تشغيل الأطفال سائدا بشكل كبير، خصوصا في ما يعرف بدول الجنوب ؛ من ماء خارطة الكرة الأرضية في المشرق ، حيث الهند وباكستان وأفغانستان والفيتنام وكمبوديا وما يحاديها ، إلى مائها في الغرب ؛ حيث المكسيك والبيرو والبرازيل والشيلي والسالفادور وغيرها ، مرورا بمعظم دول إفريقيا الفتية ، المكتنز هرمها السكاني بالأطفال ..
لا يتوقف هول الإشكالية عند انخراط الأطفال القاصرين في عالم الشغل عند سن مبكرة ، حيث من المفروض أن يكون متواهم محددا في الفصول الدراسية من آجل التربية والتحصيل العلمي والمعرفي وفي حقوقهم المهضومة بمراتع اللهو واللعب ، وإنما يتعداه إلى انخراطهم في أعمال وأشغال خطيرة مضرة جدا بصحتهم وتوازنهم النفسي.
في المغرب ، بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة تشغيل الأطفال ، بينما طبقت وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية سياسة الصمت تجاه هذا اليوم وتجاه ظاهرة تشغيل الأطفال ؛ سجلت المندوبية السامية للتخطيط في دراسة لها ، ولوج مائتي ألف قاصر، تتراوح أعمارهم ما بين خمس سنوات وسبع عشرة سنة ، سوق الشغل الوطني دون حسيب ولا رقيب ، على الرغم من وجود قانون رادع . الأكثر من ذلك أنها سجلت انخراط مائة وتسعة عشر ألف من هذا العدد في أشغال وأعمال تصنف في طبيعتها الإنتاجية أوالخدماتية المتنوعة في خانة الشغل الخطير؛ بمعنى انخراطهم في صنوف للشغل بتداعيات خطيرة على صحة ونفسية وعقلية العاقل البالغ فما بالك بالقاصرالفتي .
بقدرما يوضح هذا الرقم الضخم من الأطفال المشتغلين استمرار ارتفاع آفة الهدر المدرسي الذي صرفت عليه الملايير من الدراهم وسخرت من أجله العديد من البرامج والوافر من الوقت واستمرار توجه صغار المغرب إلى عالم الشغل في سن مبكرة في نوع من الاستغلال والعبودية ، بقدرما يؤكد تفاقم فقرالأسر المغربية ، في المدن كما في القرى ، واستمرار الحاجة الماسة لغالبيتها ، إلى أيادي وأذرع فلذات أكبادها لمساعدتها في المعيش اليومي ؛ في وقت كانت نفس الوزارة على عهد الوزيرة السابقة قد شنفت مسامع المغاربة بالقول أن من يجني عشرين درهما في المغرب لا يعتبر فقيرا ، والحال أن كل من يدفع بفلذات أكبادهم إلى الشغل في سن التمدرس فقير فعلا.
في البادية ، ما يزال الطفل المغربي يمتشق المنجل ليحصد . يتناول المعول ليقلب الأرض ويسقي الأحواض معرّضا حياته للخطر تحت الشمس الحارقة ووجها لوجه البرد القارص . ما يزال يقود الدواب والمحراث للحرث في الخريف والشتاء ، كما يقودها في البيدر للدرس في الصيف . كما ما يزال يداوي بالمبيدات فهو ما يزال أيضا يجري لاهتا وراء آلات الحصاد يفرز الحَب من التبن والكلأ ، يجمع ويلفف ويحمل الأكياس بالقناطر على الأكتاف . في المدينة أيضا ما يزال الطفل المغربي يشتغل في أوراش الدباغة والحدادة والنجارة و الخرازة والصباغة في ظروف مزرية ، يتقاذفه جبروت أرباب الأوراش ومخاطر صحية متنوعة مقابل أجر زهيد . تتلقفه عوالم الضياع الموزعة بين السقوط في رذيلة المخدرات والاستغلال النوعي في الشارع العام..
يحدث كل هذا بالطفل المغربي ونحن سكوت.. نلاحظ وندون ولا ردة فعل إيجابية لنا غير الوعود والشعارات لفائدة الطفل عماد مستقبلنا..