من أجل فهم ما جرى في قضيتي مصطفى الرميد، وزير الدولة، ومحمد أمكراز، وزير التشغيل، القياديان في حزب العدالة والتنمية مع البروليتاريا، التي تشتغل لديهم، لابد من رسم جينيالوجيا الدولة المدنية لدى الجماعات الإسلامية..لم تنشأ هذه الجماعات مؤمنة بالعمل السياسي..ولهذا نطلق على جماعة بنكيران المجموعة المندمجة، أي التي قبلت دخول غمار السياسة في وقت كان الكل يتهرب من ذلك ويعتبر أن الشروط لم تنضج بعد، ويبدو أن مفهوم المدموجة أقرب للصواب.
جماعة بنكيران اختير لها الاندماج في العمل السياسي..كان المقصود بالإدماج الحركة الأقوى آنذاك أي العدل والإحسان، لكن المفاوضات لم تفض إلى نتيجة فعقابا لها تم إدماج بنكيران، الذي كان مهيأ لذلك. لا يعني هذا أن الكل كان على دراية بما يدور في الكواليس..
دليلنا على أن الإسلاميين لم يكن في وارد تفكيرهم شيء اسمه الممارسة الديمقراطية، أن الجماعة المدموجة في حزب الدكتور الخطيب لما قررت خوض غمار الانتخابات احتاجت إلى تأصيل ذلك بالعودة إلى أحد الشيوخ المعتمدين في المنهج التعليمي لأبناء الحركة..وكتب سعد الدين العثماني، بحكم أنه خريج دار الحديث الحسنية، كتيبا تحت عنوان “فقه المشاركة السياسية عند شيخ الإسلام بن تيمية”..طبعا الكتاب لا يوجد فيه شيء للعثماني ولكن لأن “البحيرة” في ملكهم فهم “يسرقون” منها ما شاؤوا..لماذا هذه العودة ضرورة إلى هذا الشيخ بالضبط وتجميع نصوصه حول الدخول على الحكام والتعاون معهم حتى لو كانوا لا يطبقون الشريعة؟
ليس لهذه العودة من تفسير سوى أن قواعد الحركة، التي أصبحت في حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، لا تستوعب معنى المشاركة السياسية بالرغم من مشاركة رمزية سنة 1992 باسم حزب الشورى والاستقلال..لكن كانت مجرد تمهيد لهذا النقاش الذي سيتسع فيما بعد..
قبل أن تنفتح الحركة على بعض الكتابات المشرقية، حول فقه المشاركة السياسية والديمقراطية وحقوق الإنسان، كان منهجها التعليمي يتضمن رسائل بن تيمية وبن عبد الوهاب ومن المعاصرين كتب التكفيري زين العابدين سرور، ولهذا أسميناهم الوهابية السرورية، التي استعملها البعض دون الإشارة إلى مصدرها، وكتب التكفيري سعيد حوى.
النشأة كانت تقليدا لما هو موجود في الشرق من أجل بناء الدولة الإسلامية وفق شروط متخيلة عن دولة إسلامية لم توجد بشكل نهائي ومطلق، وكان بنكيران قد أطلق على حركته الأولى اسم الجماعة الإسلامية، وهو إسم مسروق من أبي الأعلى المودودي، ودائما هم أصحاب “البحيرة”، وفي هذا العنوان لمز وغمز في الدولة والمجتمع..كان هدف الإسلاميين في الجملة هو “الدولة الإسلامية المتخيلة”، وفي التفصيل اختلفوا في الطرائق والأدوات..جماعة بنكيران، بغض النظر عمن يكون الرجل في سلم التوظيف، اصطدمت بالحائط مع نقصان شجاعة..فكان التكتيك هو تبني الدولة المدنية..دليلي على أن هذا ما زال ثاويا في أعماق “اللا شعور الجمعي” للمجموعة “المدموجة” أنه بعد الفوز الساحق للحزب الإسلامي في انتخابات 2011 تحدث أحد قادته عن مرحلة التمكين التي هي أصعب مرحلة..لم يتحدث عن فوز انتخابي يمكن أن تتلوه هزيمة مرة أخرى كما هي قواعد الديمقراطية..
لا أقول بأن ما جرى أخيرا يندرج حتما و”قالبا” في هذا السياق ولكنه يساعد على فهم السلوك المرتبط أصلا بهذا “اللا شعور الجمعي”، الذي قد ينام بشكل جماعي تم يستيقظ في مراحل أخرى..استعير مفهوم الوعي الجمعي من يونغ وأستعمله هنا بمعنى الذاكرة النفسية للمجموعة منذ ولادتها أواخر التسعينات وإلى اليوم..من يستطيع أن يحكم بأن هذه الذاكرة تعرضت للمحو بشكل نهائي؟ الموقف من الدولة والمجتمع لم تكن حالة فردية ولكنه ضمن وعي جمعي تختزنه الذاكرة، التي ليست ذاكرة أفراد..ذاكرة موشومة برفض الدولة والخوف منها..