يبقى الإشراف السياسي على الإنتخابات من أهم النقط المهمة والمؤلمة في الاستحقاقات التشريعية، مهمة لأنها هي العنوان الكبير الذي يضم كل العمليات المحيطة بها، ومؤلمة لأن كثيرا من الفاعلين السياسيين يسعون للهيمنة. وقد أظهر اليوم حزب العدالة والتنمية نزوعا خطيرا في هذا الاتجاه، ودعا من خلال مذكرته التي رفعها إلى رئيس الحكومة بخصوص الإعداد للانتخابات إلى الإشراف السياسي للحكومة على الانتخابات.
نعم تبقى هي مذكرة بعبارة أخرى مطلبا مرفوعا لرئيس الحكومة. لكن رافع المذكرة هو حزب العدالة والتنمية، الذي يوجد على رأس أمانته العامة سعد الدين العثماني، والمرفوع إليه هو الحكومة، التي يترأسها سعد الدين العثماني، بمعنى أن العثماني يرفع مذكرة إلى نفسه تطالبه بإشراف العثماني على الانتخابات.
بالمنطق هذه عملية عبثية، فالإشراف السياسي كلمة دقيقة، وهي العملية التي تؤطر السياسة العامة المتعلقة بالانتخابات، وإذا كلفنا الحكومة بالإشراف السياسي بمعنى كلفنا الأغلبية، التي لا تمثل سوى جزءا من الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، بينما هناك أحزاب أخرى تمثل المعارضة، وهناك أحزاب غير ممثلة في البرلمان وهي منخرطة في العملية السياسية وتقدم مرشحين للمجلس وبالتالي فهي معنية بالعملية السياسية.
إن منح الحكومة الإشراف السياسي على الانتخابات هو منح أحزاب الأغلبية وحزبها الأول الإشراف السياسي، الذي يعني بدوره الهيمنة المطلقة على المشهد السياسي وهي عودة إلى الوراء، فدستور 2001 جاء للتخلص من الماضي وبناء مستقبل جديد للديمقراطية المغربية، قوامه المساواة بين التشكيلات السياسية إلى درجة أن الدستور تحدث كثير عن المعارضة في فصوله الأولى.
فالمعارضة ليست نافلة القول ويمكن أن تكون أو لا تكون، بل هي جوهر أي نظام ديمقراطي، لأنها تمارس عمل الرقابة على أعمال الحكومة، وهي تدريب كبير على الحكومة المقبلة، وبالتالي وجودها ضروري ومهم، وإلغاؤها من خلال الإشراف السياسي للحكومة على العملية الانتخابية مضر بشكل كبير بالمشهد السياسي، لأنه لا يمكن فصل الحكومة عن أغلبيتها، وبالتالي هو إشراف للأغلبية على الانتخابات.
الإشراف السياسي يتضمن التأطير القانوني وصناعة العنوان العام للانتخابات، وهل تتم باللائحة أم بالاقتراع الفردي؟ وما هي مخرجاتها ومدخلاتها؟ وما هو نوع التقطيع الانتخابي؟ تم يأتي بعد ذلك الإشراف التقني، الذي يتعلق بتنزيل كل هذه المسائل المتفق عليها سياسيا على أرض الواقع، ولابد من الإشراف عليها من خلال لجان مستقلة، والإشراف القانوني هو للقضاء، المستقبل عن كافة السلط ويقف بالحياد وعلى مسافة واحدة من الحكومة والبرلمان، وبالتالي من الفرقاء السياسيين، حيث يحرم القانون على رجال هذا السلك الانخراط السياسي في أي حزب كان بل حتى المخالطة تعتبر شبهة، وبهذا لا يوجد جهاز أكثر استقلالية من القضاء للإشراف على الانتخابات.
الدعوة إلى الإشراف السياسي رغبة في السيطرة والهيمنة من قبل الحزب الأغلبي ومن خلال الأغلبية وعبر أصواتها على المشهد السياسي.