محمد عفري
المرحلة التي دخلها المغرب منذ أيام ، بعد تطبيق المرحلة الثانية من تنزيل مخطط التخفيف حاسمة. شئنا أوأبينا فهي الأيام ” الحُسوم” في تحديد الخارطة الوبائية النهائية لفيروس كورونا المستجد . قبل ذلك هي حاسمة أيضا في تحديد مصير بلادنا في حربها مع فيروس فتاك ، خطير ، سريع الانتشار وباعث على كل أشكال الرعب ؛حيث الصحي والنفسي منها ؛ في الدرجة الأولى .
في انتظار موعد رفع حالة الطوارئ الصحية في العاشر من يوليوز ؛ فإن عودة المرافق العمومية إلى نشاطها ، بما فيها المقاهي والمطاعم والمتاجر والفضاءات الكبرى بالاستقبال المباشر لزبنائها وزوارها، كما عودة بعض الأنشطة ” الضرورية ” في الحياة العامة ، كصالونات الحلاقة والحمامات وقاعات الرياضة ، وما إلى ذلك ، إضافة إلى النقل والتنقل بين المدن ؛ عودة تعني الانخراط في الحياة العادية ، وتعني بإيجاز كل أوجه الاختلاط والمخالطة . لكنها تحيل في نفس الوقت إلى العديد من الدلالات والمؤشرات ؛ نختزلها في مفهوم واحد ؛ هو نعَمْ للحياة العامة الطبيعية ، لكن مع استمرار الحرب ضد كورونا المستجد .هو أيضا ، نعَمْ لضرورة امتشاق التعايش مع هذا الفيروس ؛ سلاحا آخر لمواجهته إلى النهاية ؛ بنصر مكين..
“انفتاح” البلاد على الحياة الطبيعية بداية من هذه الأنشطة، كما انفتاحها فيما قبل بعودة مختلف المقاولات لأنشطتها الاقتصادية، وإن أملته وتمليه العديد من الإكراهات وفي مقدمتها الدورة الاقتصادية ، فإنه لا يعني ترك الواجب الاحترازي والاحتياطي على العواهن. فهذا الانفتاح يبقى بالضرورة مشروطا بكل واجبات الالتزام الخاصة بالمواجهة الصارمة والصد الإيجابي للفيروس الفتاك، بدءا من شروط السلامة الصحية المتمثلة في النظافة و التعقيم مرورا بحمل الكمامة الوقائية وانتهاء عند الحفاظ على مسافة الأمان وضرورة احترام التباعد الاجتماعي..
الأيام التي نحن يصددها ،عشناها على إيقاع الارتفاع في عدد الإصابات بالعدوى ، وعلى إيقاع الانخفاض ، مقارنة بالأيام الأولى لاجتياح الوباء ، في أعداد المتعافين ، وإيقاع الارتفاع في عدد الموتى، وكلها بعين العارفين والخبراء بديهية ؛ اعتبارا لحجم حركة عودة الأنشطة الاقتصادية والتجارية وحركة السير والجولان والتنقل والنقل بين المدن ، بل هي برأي المسؤولين واقع متحكم فيه بقبضة من حديد .
إلى حين العاشر من يوليوز ؛ التاريخ الرسمي لرفع الحجر الصحي بالمغرب ؛ حيث من المنتظر أن تعود الحياة العادية وبشكل طبيعي إلى العديد من المرافق والأنشطة ، كما هو الحال بالنسبة لعالم الفن والثقافة ، إذ ينتظر عشاق الرياضة والسينما والمسرح والتشكيل وغيرها من باقي الفنون وعوالم الإبداع بشغف كبير هذه العودة ، والجميع على وعي كبير بأن المسؤولية في التصدي لوباء فيروس كورونا المستجد أصبحت الآن على عاتق المواطن ، أكثر مما كانت مسؤولية مشتركة بين الدولة و المواطن إبان ذروة اجتياح الفيروس ، ليس للمغرب وحده الذي خرج من المرحلة “القاسية” لهذا الوباء الفتاك بأقل الأضرار ، وإنما لباقي دول العالم التي حصد فيها من الأرواح بالآلاف ، وأصاب بالعدوى الملايين..
لا يعني هذا البتة أن الدولة بمختلف مؤسساتها وسلطاتها رفعت اليد استسلاما لتترك المواطن أعزل أمام الفيروس ؛ ولكنها وللضرورة ؛ بعدما قامت بالواجب من آليات التصدي والمواجهة المختلفة ؛ حيث وفرت الأدوية والأطقم الطبية والتمريضية والتجهيز المتنوع ببناء المستشفيات الميدانية والوحدات المخبرية ، فرضت عليها كما على مجموع بلدان المعمور دورة الاقتصاد وحركة الحياة الطبيعية إشراكا مباشرا للمواطن في حربها على فيروس كورونا المستجد الذي تأكد ، أن مواجهته القوية مازالت مستمرة وإلزامية ، إلى تاريخ لاحق ، ومرتهنة باكتشاف لقاح فعال ،ما يزال العلماء والخبراء يواصلون مسيرتهم في إيجاده .
أراد من أراد و أبى من أبى ؛ كانت الدولة في الميعاد . لكن ذلك ،لا يعني أن المواطن المغربي لم يكن بتاتا شريكا فعليا ، وفيا ومخلصا ومطيعا للدولة وقراراتها في هذه الحرب على كورونا،التي أبانت عن اللحمة الموثوقة للمغاربة قاطبة، بين المواطنين وباقي المؤسسات بما فيها المؤسسة الملكية. لقد كان المواطن في مستوى المواجهة الصارمة ؛ وفي الصفوف الأمامية للتصدي بما أوتي من أسلحة خفيفة في الاعتبار ؛ ثقيلة في المرامي والغايات ؛ لم تقف عند يقظة الوعي وصحوة الضمير وفلسفة التآزر؛ بل تعدتها إلى الالتزام الجدي بمعايير الحجر الصحي القويم الذي قارب الثلاثة اشهر، وما عليه الآن إلا مواصلة المواجهة الناجحة بسلاح التعايش ، لأن المرحلة مرحلة تعايش مع الفيروس في شق أخير من الحرب عليه.
المسؤولية مسؤولية المواطن اليوم ؛لأن الدولة وإن كانت مستمرة في توفير الأسرة والأدوية بالمستشفيات والصيدليات ودعم الأطباء والممرضين ، فإن سلاح التعايش يعني بدرجة أولى عدم التفريط في مسافة الأمان والتباعد الاجتماعي ، وعدم التخلي عن الكمامة ، أوالتخلي أيضا عن التقيد بشروط النظافة والاحتياط والوقاية، داخل البيت وخارجه ؛ فالفيروس القاتل مازال يعيش بيننا..