يشهد العالم في السنوات الأخيرة تصاعدًا غير مسبوق في آثار التغير المناخي، من موجات حرّ قياسية في كندا والولايات المتحدة وأوروبا، إلى فيضانات مدمرة في الصين وألمانيا وبلجيكا، وحرائق ضخمة في لبنان وتركيا والعراق. هذه الظواهر المناخية القاسية لم تعد حوادث معزولة، بل باتت مؤشرات واضحة على أزمة عالمية تركت لعقود بلا حلول جذرية، حتى تحولت إلى تهديد مباشر لحياة البشر واقتصادهم.
لكن خلف هذا المشهد الكارثي، تبرز مفارقة حادة: الدول النامية، وهي الأقل إسهامًا في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المسببة للاحتباس الحراري، تتحمل العبء الأكبر من تداعيات الأزمة. هذه الدول، التي تعتمد اقتصاداتها على قطاعات حساسة كالفلاحة والسياحة، تجد نفسها في الخطوط الأمامية لمواجهة الجفاف، وتراجع المحاصيل، وتزايد الكوارث الطبيعية، في ظل ضعف البنية التحتية وقلة الإمكانيات العلمية والتكنولوجية لمواجهة الكارثة.
رفع الدعم… وصفات جاهزة بأثمان اجتماعية باهظة
في الوقت الذي تدعو فيه منظمات دولية مثل صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى خفض دعم الوقود الأحفوري باعتباره خطوة نحو الاستدامة، تشير الأرقام إلى أن دول مجموعة العشرين أنفقت منذ بداية الجائحة وحتى أغسطس 2020 نحو 170 مليار دولار لدعم هذا القطاع، عبر شراء حصص في شركات الطاقة أو تقديم قروض وإعفاءات ضريبية. هذه السياسات انعكست في كثير من الدول النامية بشكل مباشر على شكل رفع للدعم أو زيادة أسعار المحروقات، ما فجّر احتجاجات واسعة في السودان ومصر ولبنان، وأدى إلى موجات تضخم رفعت أسعار السلع الأساسية وأثقلت كاهل الأسر.
من العدالة البيئية إلى “الاستعمار الأخضر”
رغم أن الحلول الخضراء تُقدَّم على أنها مخرج للأزمة، إلا أن واقع تنفيذها في كثير من الحالات يكشف وجهًا آخر أكثر إشكالية. بعض الشركات الأوروبية الكبرى تستثمر في مشروعات تشجير أو مساحات خضراء في إفريقيا لتعويض انبعاثاتها الكربونية، لكن هذه المبادرات تأتي أحيانًا على حساب أراضي المجتمعات المحلية وحقوقها، في ما يسميه خبراء “الاستعمار البيئي”. المثال الأبرز هو شركة نرويجية استولت على عشرات الآلاف من الهكتارات في أوغندا وتنزانيا وموزمبيق ضمن اتفاقيات حكومية، مما هدد مصادر رزق السكان.
عدم التكافؤ… من التجارة إلى البيئة
المشكلة لا تتوقف عند الدعم المالي أو المشاريع الخضراء، بل تمتد إلى طبيعة العلاقات التجارية غير المتكافئة بين الشمال الصناعي والجنوب العالمي. على سبيل المثال، فرضت الولايات المتحدة قيودًا على واردات التونة من المكسيك وفنزويلا بدعوى حماية الدلافين، في وقت تشير فيه تقارير إلى أن واشنطن نفسها تسببت في تلوث واسع بغربي المحيط الهادئ عبر دفن نفايات نووية وكيميائية.
الحل… قضية سياسية قبل أن تكون بيئية
خبراء البيئة يؤكدون أن أي خطة لمواجهة التغير المناخي يجب أن تتضمن اعترافًا بعدم المساواة في تحمّل الكلفة، وأن تبتعد عن فرض عبء الإصلاح على الأفراد أو الدول الأضعف اقتصاديًا. بدلًا من الاكتفاء بخطاب أخلاقي عن تقليل استهلاك البلاستيك أو تغيير أنماط الحياة، يدعون إلى سياسات تشاركية تضمن العدالة الاجتماعية، وتمنع انفجار الأزمات المعيشية، وتقوم على التضامن الدولي بدل الهيمنة، بحيث لا تتحول المعركة من أجل إنقاذ الكوكب إلى حلقة جديدة من استنزاف الجنوب العالمي لصالح الشمال الصناعي.
المصدر: منصة “حبر”