مع دخول حكومة عزيز أخنوش سنتها الأخيرة، اختار حزب التقدم والاشتراكية رفع سقف المواجهة السياسية، واضعًا حصيلة الولاية الحكومية تحت ما سماه “تشخيصًا شاملاً للفشل البنيوي”، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وحكاميًا. قراءة قاسية قدّمها الأمين العام للحزب، محمد نبيل بنعبد الله، أمام أشغال الدورة السابعة للجنة المركزية، مدعومة بالأرقام والمعطيات، ومشحونة بنبرة اتهامية مباشرة لحكومة يعتبرها الحزب “تكنوقراطية في الشكل، طبقية في الجوهر”.
الحزب انطلق من فرضية مركزية مفادها أن المرحلة الدقيقة التي يمر بها المغرب، بما تحمله من تحولات داخلية وضغوط خارجية، كانت تتطلب حكومة سياسية قوية، تمتلك رؤية إصلاحية وجرأة في القرار وشرعية ديمقراطية قادرة على قيادة التحولات الكبرى. غير أن الحكومة الحالية، بحسب التقرير، لم تنجح في الارتقاء إلى هذا المستوى، بل أعادت إنتاج نفس المقاربات التي عمّقت التفاوتات الاجتماعية وأضعفت الثقة في الفعل العمومي.
ورغم اعتراف الحزب بوجود بعض المؤشرات الإيجابية الجزئية، من قبيل تحمّل كلفة الحوار الاجتماعي، والرفع من اعتمادات قطاعات حيوية كالصحة والتعليم والماء، إلى جانب تحسن مداخيل السياحة والفوسفاط وتحويلات مغاربة العالم، فإن هذه المعطيات، وفق التقرير، لا تخفي العجز العميق عن استثمار الفرص الكبرى المتاحة، سواء المرتبطة بالانتعاش الاقتصادي لما بعد الجائحة، أو بالأوراش البنيوية المرتبطة بتنظيم تظاهرات رياضية كبرى، أو بالمكانة المتقدمة التي راكمها المغرب دوليًا.
سياسيًا، يرسم التقرير صورة قاتمة لأداء حكومة يتهمها الحزب بتكريس منطق الهيمنة، والاستخفاف بأدوار البرلمان والمعارضة، واستهداف مؤسسات الحكامة، واعتماد أساليب تكميم الأفواه عبر الإغراء أو التهديد. كما يسجل تراجعات حقوقية تمس حرية الاحتجاج والإضراب والصحافة والتعبير، وتعثرًا في ورش المساواة وتمكين النساء، مع مطالبة الحكومة بالإسراع بإخراج مدونة أسرة حديثة تستجيب لمتطلبات الإصلاح الحقيقي.
اقتصاديًا، يربط حزب “الكتاب” ما يعتبره فشلًا واضحًا باختيارات “طبقية” تخدم لوبيات وشبكات مصالح أوليغارشية، وتُبقي الاقتصاد الوطني في حالة تبعية للأسواق الخارجية، بدل توجيهه نحو تلبية الحاجيات الأساسية للمواطنين. ويستحضر التقرير في هذا السياق تفاقم الغلاء بفعل المضاربات والاحتكارات، في ظل صمت حكومي يراه الحزب تواطؤًا أو عجزًا.
ويستعرض التقرير أرقامًا دالة، من بينها ارتفاع العجز التجاري من 200 مليار درهم سنة 2021 إلى 334 مليار درهم سنة 2025، وضعف مساهمة الصناعة في الناتج الداخلي الخام، وتفاقم المديونية، إلى جانب استيراد الأدوية والمواد الطاقية والغذائية بمبالغ ضخمة. كما ينتقد خيارات فلاحية تقوم على استنزاف الموارد المائية عبر الزراعات التصديرية، مقابل تهميش الفلاح الصغير والأمن الغذائي.
في مجال الحكامة، يتحدث التقرير عن “فضائح متتالية” مرتبطة بالصفقات العمومية وتضارب المصالح والريع، مستحضرًا استمرار الأرباح الفاحشة في سوق المحروقات، وشبهات تنازع المصالح في ملفات استراتيجية، إلى جانب توجيه دعم عمومي بمليارات الدراهم دون أثر ملموس على الأسعار أو القدرة الشرائية.
اجتماعيًا، يصف الحزب الوضع بـ”المقلق”، في ظل تدهور مستوى معيشة غالبية الأسر، وبلوغ البطالة مستويات قياسية، وفشل الحكومة في الوفاء بتعهداتها المتعلقة بإحداث فرص الشغل ورفع مشاركة النساء في سوق العمل. كما يسجل تعمق الفقر والهشاشة، وتعثر تعميم الحماية الاجتماعية، وهيمنة القطاع الخاص على كلفة العلاج، بما يهدد توازن منظومة التأمين الصحي.
ويختم حزب التقدم والاشتراكية تقريره بالتأكيد على أن تنظيم مونديال 2030 لا ينبغي أن يكون مجرد ورش بنيوي، بل فرصة لتحقيق ربح جماعي شامل، اجتماعيًا ومجاليًا وديمقراطيًا، محذرًا من أن استمرار نفس الاختيارات سيجعل البلاد تدخل هذا الموعد العالمي بأعطاب أعمق، رغم الواجهات الكبرى والأوراش الضخمة.





