قد يبدو العنوان شعبويا إلى حد ما، لكنه يختزل حقيقة مرعبة، فلسنا من الفئة التي تقول بضرورة استمرار الحجر الصحي إلى حين تسجيل الحالة رقم صفر، وهذا يحتاج إلى زمن طويل، إذا قسنا الزمن بحياة مجتمع، ولكن نقول بضرورة إطلاق عجلة الاقتصاد لكن بنوع من التضحية لأنه اقتصد الأزمة، لا اقتصاد الزمن السائل، وقد رأينا بعض المعامل التي فيها اكتشاف بؤر لفيروس كورونا المستجد لا تشتغل وفق المعايير الموجود في الزمن العادي ناهيك أن تكون قد انضبطت لقواعد السلامة الصحية.
فتحريك عجلة الاقتصاد ضرورة ملحة وهي أساسية في حياة الشعوب، لكن هل يمكن اليوم التفكير في اقتصاد الوفرة ونحن نعيش زمن الجائحة؟ وعندما نقول إن الحكومة تفضل الاقتصاد على الشعب لا يعني هذا بتاتا أن الاقتصاد لا أهمية له، ولكن هناك أنواع من الاقتصاد، فقد يكون المعمل منتجا ويشغل الآلاف لكنه خسارة مطلقة للبلد إذا كان مثلا يخلف وراءه الأمراض والأعطاب.
نعني بتفضيل الحكومة للاقتصاد على الشعب أنها لا تعير اهتماما لوسائل الرقابة، فإذا كانت عناصر الأمن والسلطات العمومية والجيش والدرك الملكي قاموا بواجبهم ودورهم في ضبط وتنفيذ قرار الطوارئ الصحية والحجر الصحي، فإن الحكومة لم تقم بدورها في مراقبة أماكن الانتاج، التي أصبحت اليوم هي أكبر “منتج” لكورونا، وهذا ما نربحه كوطن ودولة هو المرض بينما يربح صاحب المال الملايير.
ما السبب في هذا الانفجار في عدد الإصابات يوما واحدا قبيل تخفيف تدابير الحجر الصحي؟ لما أغلب الإصابات ناتجة عن البؤر الصناعية والفلاحية؟ لماذا تغض الحكومة الطرف عن بعض المشغلين وهم لا يلتزمون بقواعد السلامة الصحية؟ فأي صاحب مال وأعمال يريد أن يربح مثلما كان يربح فهو يمثل “رأسمال غير وطني” حتى لو كان صاحبه مغربيا بل وحتى مسؤولا.
الصناعة والتجارة والفلاحة من ضرورة قيام الدولة، ولا يمكن أن نترك البلد للانهيار نتيجة التدهور الانتاجي، لكن في الوقت نفسه لابد من التركيز على المعادلة الصعبة التي تبنتها بلادنا في مواجهة جائحة كورونا.
لكن المشكل ليس في استئناف النشاط الاقتصادي ولكن في فوضى الاستئناف.
لقد أمر جلالة الملك محمد السادس بإجراء فحوصات مكثفة وعلى نطاق واسع للطبقة العاملة قبل استئناف الشغل، وذلك قصد ضبط خارطة انتشار فيروس كورونا، وهذا مفهوم الاقتصاد الصحي زمن الجائحة، لكن الحكومة بما هي جهاز التنفيذ لم تقم باللازم في ضرورة المتابعة اليومية عبر اللجان المختلطة للمراقبة قصد متابعة أصحاب الإنتاج إن لم يلتزموا بالشروط الضرورية المواكبة لتخفيف الحجر الصحي.
الحكومة تفضل الاقتصاد على الشعب لا من حيث هي مؤمنة بضرورة استمرار الدورة الاقتصادية، التي لا خلاف حولها، ولكن من باب أنها تترك رجال الأعمال يتصرفون كيفما يريدون دون حسيب ولا رقيب وهذه خيانة للوطن لأنها قد تتسبب في انتكاسة وضياع النتائج التي حققناها خلال الأشهر الماضية.