من مغالطات الحكومة أنها ترمي فشلها في تدبير الأزمة على الآخر، الذي هو المواطن، أي الشعب. وهذه مغالطة ملتبسة لأن الحكومة جعلت من الشعب آخرا أو خصما أو عدوا وفصلت نفسها عنه، بينما هي منبثقة من البرلمان المنتخب من قبل الشعب، وبعملية رياضية بسيطة الحكومة منبثقة من الشعب، الذي فصلت نفسها عنه وجعلت معسكرها في مواجهة معسكر الشعب.
مناسبة هذا الكلام ما قالته وزارة الصحة، التي حملت المسؤولية للمواطن في انتشار فيروس كورونا، بمعنى أنه لو التزم المواطن بإجراءات الحجر الصحي لما انتشرت الجائحة، وهذا الاستنتاج مردود عليه من عدة اتجاهات تصب كلها في كون الحكومة في واد والشعب في واد:
أولا، المواطن التزم بتدابير الحجر الصحي وقانون الطوارئ الصحية بنسبة معتبرة خلال ثلاث أشهر، مارس وأبريل وماي، وهذه بشهادة المندوبية السامية للتخطيط، التي قالت إن 80 في المائة من المغاربة التزموا الحجر المنزلي، دون أن ننسى أن الـ20 في المائة المتبقية فيها المواطنون، الذين كانوا ملزمين بالعمل ومنهم القوات العمومية والأمن، الذين سهروا على تنفيذ إجراءات الحجر الصحي، وكذلك الأطر الطبية والتمريضية ومستخدمي البنوك وبعض المحلات التجارية، أما الذين خرقوا الحجر الصحي فهم فئة قليلة لم تتجاوز المائة ألف شخص، وما على الحكومة سوى أن تتعلم الحساب، ففي فرنسا تم تسجيل حوالي ربع مليون مخالفة في الثلاثة أشهر المقابلة لأشهر الحجر المنزلي بالمغرب.
ويقول أحمد الحليمي، أيضا في تقرير آخر، إن أغلبية المغاربة يتوفرون على الأقنعة الواقية، بمعنى الكمامات، وهذا يعني أن المواطن ملتزم بارتداء الكمامة.
الوزارة نفسها التي اتهمت المواطن بالسبب في انتشار فيروس كورونا، هي نفسها قالت قبل أسبوع إن حوالي نصف المصابين ينتمون لوحدات إنتاجية وصناعية، وهذا الإحصاء مرتبط بالإصابة فقط لا بالمخالطة، بمعنى أن نسبة كبيرة من المصابين بسبب الوحدات الإنتاجية.
وهنا يلزمنا التأكيد على أن المؤسسات معنية بحماية الروح العامة للمجتمع. فاحترام الطوارئ الصحية والحجر المنزلي أشرفت عليه القوى الأمنية والقوات العمومية، بمعنى أن المؤسسات ضامنة للسير الطبيعي للقوانين، ففي الزمن العادي هي تقوم فقط بدور المراقب، ولا تتدخل إلا عندما يكون هناك انفلات، وبالتالي كانت هذه المؤسسة حريصة على التدخل زمن الأزمة.
لكن لابد من تسجيل أن وزارة التجارة والصناعة والاقتصاد الرقمي والأخضر، لم تتعامل بالجدية اللازمة مع تخفيف تدابير الحجر الصحي، في أفق إنعاش الاقتصاد الوطني، لكن بشرط الحفاظ على تدابير السلامة والوقاية الصحية، لكن مصالح الوزارة المعنية لم تقم بواجباتها، وكم من وحدة إنتاجية وصناعية نشرت العدوى وسط العمال ومنهم إلى باقي المواطنين، وبالتالي يمكن القول إن ضعف المراقبة المسؤولة عنها الحكومة مسؤولة عن انتشار فيروس كورونا وليس المواطن كما زعمت وزارة الصحة، والحكومة هنا هي كل مؤسسة تقع تحت تصرفها..
إذن بلا مراوغة الحكومة فشلت في تدبير الأزمة وأرادت تعليق ذلك على المواطن، الذي يلتزم طوعا وخضوعا للقانون.