عندما نريد الحديث عن “الديمقراطية والانتخابات” واعتبار الأولى ليست هي الثانية بما أن الثانية جزء من الأولى وأحد مقوماتها، لسنا في وارد الإغراق في طبيعة هذه العلاقة، ولكن أردنا أن نضع وقائع حالية على محك السؤال ويتعلق الأمر بإصرار الحكومة على تمرير القانون المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة وكذلك القانون المتعلق بمهنة المحاماة، وذلك رغم معارضة قوية.
ففيما يخص القانون المتعلق بتنظيم المجلس الوطني للصحافة عارضته من الجسم الصحفي هيئات مهمة تضم أغلب الناشرين والصحفيين، وهي لا تقل عن خمس هيئات، كما عارضته 35 منظمة مهنية وحقوقية ومدنية الموقعة على البيان الشهير برفض مشروع القانون، وعارضته مؤسستان دستوريتان، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وعارضه خمسة وزراء اتصال سابقين.
هل كل هذه الأمة اجتمعت على ضلالة؟ الأدهى والأمر أن وزير الثقافة والشباب والتواصل رفض خلال المناقشة داخل اللجنة المعنية قبول أي تعديل تقدمت به المعارضة، وقد بلغت 130 تعديلا، وما تم عرضه من تعديلات لم تكن أبدا مطالب خيالية ولكن مجرد تصويبات ليخرج القانون بطريقة تقرب الخلاف بين كافة أطراف العملية، لكن القانون كما جاء من مجلس النواب سيعود إليه، ولم يبق من أمل سوى أن يقوم رئيس مجلس المستشارين بعرضه على المحكمة الدستورية.
لماذا قلنا ونقول إن الديمقراطية ليست هي الانتخابات؟ لأن الانتخابات هي جزء من الديمقراطية لكن قد تتحول إلى أداة طغيان، حيث يتم استعمال آلية التصويت كمسلك وحيد لاتخاذ القرار، مهما كانت طبيعة هذا القرار وحتى لو أضر بمصالح الناخبين، خدمة لمصلحة خاصة أو مصلحة تجمع معين.
دستور المملكة، الذي يعتبر الوثيقة الأسمى التي يتحاكم إليها المغاربة عندما يختلفون، دعا بل ألزم الهيئات والمؤسسات بالمقاربة التشاركية والإنصات لصوت الشارع أي صوت الناخبين، فما قيمة الديمقراطية إن كانت ضد صوت الشارع؟
والشارع هنا بالمعنى المجازي وليس بالمعنى الأعم، فهو يعني حراك المعنيين بأي قطاع، حيث ينبغي الإنصات لهم وإلا لن يبقى للديمقراطية أي مغزى، حيث لا يعقل أن تقوم الحكومة، من خلال وزارة الثقافة والشباب والتواصل، بتمرير قانون “المجلس الوطني للصحافة” دون أن تصغي لصوت الشارع، أي المهنيين، ودون أن تصغي للمؤسسات الدستورية ودون أن تأخذ بعين الاعتبار تعديلات البرلمانيين.
نعرف أن الديمقراطية تحولت حتى أصبح الحديث عن “الباكيدج” الانتخابي، لكن نحن مع النتائج عندما لا يطعن فيها أحد، لكن الانتخابات عندما تصبح شيكا على بياض وتخالف مصالح الناخبين فهي ضد الديمقراطية، التي من أصلها وفصلها أنها حكم الشعب من خلال ممثليه، فكيف يكون ممثلا للشعب من يعاكس مصلحته؟
عدم الالتزام بالمقاربة التشاركية هو السير في الاتجاه المعاكس للتوجهات التي رسمها جلالة الملك محمد السادس، الذي أمر بأن يتم اعتماد هذه المقاربة في الدستور قبل غيره، ومن يسير عكس ذلك فإنه يسعى لأهداف غامضة.






