في كل خطاب يكتب جلالة الملك محمد السادس فصلا جديدا من تاريخ المغرب. يحدد من خلاله كيفيات تجاوز الواقع نحو المستقبل، الذي ينبغي أن نبنيه جميعا، بعيدا عن السلوكات السياسية، التي تطبع بعض الممارسات، التي تعيق السير الطبيعي للمغرب، فجلالة الملك يرسم كل مرة مكامن العطب وما يجب القيام به لتحقيق الأهداف الكبرى للمغرب.
الحديث عن الزمن الملكي والزمن الحكومي هو فصل منهجي، لنتعرف أولا على المسؤوليات السياسية، التي تحوزها الحكومة والبرلمان، ولنحدد الخط الفاصل بين المشاريع الكبرى التي تتجاوز الزمن الحكومي والبرلماني، والتي ينبغي استيعابها حتى لا يتم استغلالها انتخابيا.
الزمن الحكومي محدود زمنيا، فالحكومة عمرها خمس سنوات، وهو نفسه عمر البرلمان، وقد يتم اختزال هذا الزمن، في حالة ملتمس رقابة أو تقديم الحكومة لاستقالتها أو طرأ ما يدعو لتوظيف فصول أخرى من الدستور، وبالتالي لا ينبغي الخلط بين الزمنين، وجاء التأكيد الملكي على أن جلالته دعا إلى تسريع مسيرة المغرب الصاعد، وإطلاق جيل جديد من برامج التنمية الترابية، مع التركيز على أن هذا الأمر يعتبر من القضايا الكبرى، التي تتجاوز الزمن الحكومي والبرلماني.
ما معنى ذلك؟ وهل هناك تداخل في العملين؟
الزمن الحكومي، ومعه الزمن البرلماني المنبثق عنه، يقع في طول الزمن الملكي. فالزمن الحكومي هو فترة فاصلة (intervalle)، بينما الزمن الملكي هو الخط المستقيم الاستراتيجي، الذي يضمن استمرار الدولة وحركة المجتمع، حيث لا يمكن إخضاع “المغرب الصاعد” و”الجيل الجديد من برامج التنمية” للزمن الحكومي والبرلماني، الذي هو رغما عن الجميع زمن انتخابي.
غير أن الزمن الحكومي والبرلماني، ورغم وقوعه في طول الزمن الملكي، هو منفصل عنه منهجيا، فالضمانة الاستراتيجية للزمن الملكي عامل كبير في تجاوز الأعطاب، التي يمكن أن تتسبب فيها المؤسسات الأدنى، لهذا ربط الدستور بين “المسؤولية والمحاسبة”، فالحكومة والبرلمان، لهما ثقة مزدوجة، ثقة الملك والشعب، واحدة نازلة والأخرى صاعدة لضمان استمرار البرامج الكبرى.
يلزم التأكيد على أن دستور 2011 منح الحكومة والبرلمان صلاحيات كبرى، بما يعني أن العملية السياسية (انتخابات، فرز حكومة، أغلبية، معارضة، عمل برلماني، رقابة برلمانية) هي بؤرة الفكر السياسي المغربي، ولهذا حمّل الخطاب الملكي المسؤولية، ليس فقط للحكومة، ولكن للبرلمان والأحزاب السياسية والمنتخبين، في مختلف المجالس المنتخبة، وعلى جميع المستويات الترابية، إضافة إلى وسائل الإعلام، وفعاليات المجتمع المدني، وكل القوى الحية للأمة.
مسؤولية مشتركة تتحملها كل المؤسسات، لأن أي سوء فهم بين أبناء الوطن وأجياله هو ناتج عن التقصير في التأطير والتواصل وتسويق المشهد كما هو بما فيه الإنجازات التي تحققها بلادنا على مستويات عدة، دون نفي وجود ثغرات وأعطاب ينبغي تفاديها والجواب عنها، لكن بمنطق تثمين كل ما هو جيد وخير في بلادنا.
وتبقى الرسالة الكبرى أن قيامة المغرب حانت وسينال كل واحد جزاءه بما يستحق.