يتم الترويج على نطاق واسع لتسجيل صوتي منسوب لقائد إحدى المقاطعات ومحامي، يدور حول انزعاج “صاحب البدلة السوداء” من قيام رجل السلطة بمراقبة ورش للبناء تابع له، لكن ما تضمنه الشريط مؤسف للغاية، ونتمنى أن تسير الأمور في اتجاه فتح تحقيق في الموضوع، تحقيق لمعرفة الحقيقة وما دار بين الرجلين، في وقت ذكرت مصادر أنه تم فتح بحث إداري في الموضوع، يلزم فتح تحقيق قضائي لتحديد المسؤوليات، خصوصا وأن التسجيل أصبح متاحا للجميع عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات وتطبيقات الهواتف الذكية.
توجه المحامي بسيل من الألفاظ النابية والكلام الفاحش تجاه القائد، ناعتا إياه بأقذر النعوت، بينما ظل القائد متمسكا بمبدأ أن رجل السلطة لا ينبغي أن يسقط في مثل هذه المستويات المتدنية من الحوار، بينما كان يمارس مهامه التي يخولها له القانون، ولا ندري هل المحامي يجهل القوانين الناظمة لعمل أوراش البناء، أم فقط أخذته العزة بالإثم وركب رأسه لتحدي مسؤول السلطة وتهديده بالسجن، وكأن الحبس توجد مفاتيحه لدى هذا الأخير.
بينما كان القائد يتحدث بلغة القانون كان المحامي يوجه اتهامات تحتاج طبعا إلى دليل، ولما خاطبه القائد إنه سيعرض ملفه على وكيل الملك قال له إنه سيجره إلى الوكيل العام للملك أو وكيل الدولة بتعبيره.
القصة بسيطة ولا يوجد أسهل منها لو أن المحامي لم يركب رأسه بل دافع عن القانون، كما هي مهنته ومهمته، حيث من حق رجال السلطة والشرطة الإدارية ومفتشي التعمير والعمالة القيام بمراقبة أوراش البناء، التي يلزم أن تتوفر على سجل يتضمن كل الوثائق بما فيها التصميم والرخص، وإلا أصبحت القضية عشوائية ويصبح بناء فيلا شبيها ببناء براكة.
يضاف إلى القوانين الجاري بها العمل، والتي ينبغي احترامها من قبل الجميع، ومن قبل رجالات القانون بشكل أولى، نحن اليوم في ظرف استثنائي وتحت رحمة قانون الطوارئ الصحية والحجر الصحي، الذي يفرض شروطا على أوراش البناء غير موجودة في القوانين العادية، حيث من حق اللجان المختلطة ومن حق عناصر السلطة مراقبة مدى التزام أوراش البناء بشروط السلامة الصحية، ليست تلك المرتبطة بأوراش البناء في كل لحظة، ولكن تلك المتعلقة بالوقاية من فيروس كورونا المستجد.
ما وقع للمحامي هو الذي يندرج في إطار المثل المغربي البليغ “الفقيه اللي نتسناو بركتو دخل الجامع ببلغتو”، وهذا دخل الجامع “ببلغته وبغلته”. فالمحامي هو رجل قانون، وعليه أن يعطي النموذج بمدى الالتزام به، ويبتعد عن استغلال المهنة في التسلط وممارسة الرعب الاجتماعي في حق الآخرين.
يبقى السؤال المطروح اليوم: هل ستقوم الجهات المعنية بفتح تحقيقات جريئة لمعرفة الحقيقة ومعاقبة صاحب الكلام الفاحش إن تأكد نسبته إليه؟ هل ستتخلى نقابة المحامين عن واجب التضامن مع المحامي وتلتزم الحياد إلى حين ظهور نتائج أي تحقيق يمكن القيام به؟