الصناعة طور من أطوار التقدم. وقد قطع المغرب أطوارا مهمة في بناء الدولة، حيث أرسى قواعد المملكة الدستورية الديمقراطية الاجتماعية، ووضع لذلك الأركان العامة، التي لا يزيغ عنها إلا هالك ظالم لنفسه ولوطنه، كما قطع شوطا مهما في طور التقدم الاجتماعي عبر مجموعة من القوانين والمبادرات، التي تساوي بين فئات المجتمع على أساس المواطنة لا النوع، لكن يبقى اليوم الطور الذي أعطى جلالة الملك الإشارة إلى ولوجه هو طور الصناعة.
في المجلس الوزاري الأخير تمت المصادقة على مشروع قانون يتعلق بعتاد وتجهيزات الدفاع والأمن والأسلحة والذخيرة، ويهدف إلى تقنين أنشطة التصنيع والتجارة والاستيراد والتصدير ونقل وعبور هذه المعدات والتجهيزات، من خلال إحداث نظام ترخيص لممارسة هذه الأنشطة ونظام للتتبع ومراقبة الوثائق.
في نظر المراقبين أن تعزيز الصناعة العسكرية المغربية يعتبر توجها استراتيجيا من أجل تقوية الإمكانيات والقدرات العسكرية المغربية للدفاع عن حدود الوطن، في ظل تزايد إشكالات الأمن القومي المغربي نتيجة التوترات في المنطقة المغاربية، الناتجة عن القلاقل بالجارة الجزائر وتحرشها أيضا بالمغرب من خلال صنيعتها البوليساريو، وكذلك ما تعرفه المنطقة في الآونة الأخيرة، حيث تحولت إلى بؤر متعددة للجماعات الإرهابية، التي شكلت فروعا للتنظيمات المركزية بالشرق.
إن تطوير الصناعة العسكرية، حسب المهتمين، سيوفر على المغرب أموالا كثيرة، من حيث عدم الحاجة إلى الاستيراد، الذي يتطلب العملة الصعبة، ومن جهة أخرى تحقيق الاكتفاء الذاتي من حيث صناعة الأسلحة الخاصة بكافة التشكيلات العسكرية وشبه العسكرية والأمنية، التي تكلف كثيرا.
في هذه الافتتاحية وإن كنا ذكّرنا بخلفيات هذا القرار إلا أن الذي نسعى إليه هنا هو الرسائل الرمزية التي يمكن أن تنعكس على الواقع المادي.
هنا حديث عن صناعة عسكرية مغربية، بمعنى الدخول إلى طور مختلف. ويمكن الانتقال من الصناعة العسكرية المغربية الخالصة إلى الصناعة المدنية المغربية الخالصة. لقد بذل المغرب جهودا كبيرة في توطين كثير من الصناعات، وهي مشاريع ضخمة وكبرى ومهمة في تطوير الاقتصاد المغربي، ولا يمكن أن ينكر ذلك أحد إلا متحيزا ومغرضا.
لكن ما نذهب إليه اليوم نحن أكبر من ذلك. أي ليس توطين الصناعات ولكن ابتكارها. ولا يعتبر أمر الدخول إلى طور الصناعة ضربا من الخيال أو من المعاجز غير القادرين على الوصول إليها، ولدينا طاقات مغربية في الفيزياء والرياضيات والهندسة جبّارة لو أتيحت لها الفرصة وأعطيت لها الإمكانات اللازمة لكانت اليوم قد قدمت ما لا يخطر على بال، حتى ما يعتبر من المستحيلات يمكن أن يصنعه المغاربة.
المغربي اليوم بأمر من جلالة الملك ووفق القانون سيصنع سلاحه أو جزءا مما يحتاجه من الأسلحة بنفسه ولن يضطر إلى استيرادها، وكذلك هو قادر على أن يدخل الصناعات المدنية بكافة أصنافها.
الحاجة ليست إلى كفاءات وطاقات، لأنها بحمد الله موجودة، ولكن الحاجة ماسة إلى إرادة جماعية لدخول هذا الطور وما ذلك على شعبنا بعزيز.