يشهد المغرب تحولا سياسيا هادئا لكنه عميق، يبدو أنه يتجه نحو إعادة صياغة معالم المنظومة الانتخابية في أفق يتجاوز المحطات التقليدية، إلى مرحلة جديدة تعلي من شأن الكفاءة والنجاعة، وتقلص من نفوذ “تجار الانتخابات” الذين ظلت خريطة الاستحقاقات التشريعية والمحلية تدور حولهم لعقود، إذ شدد متابعين على ان هذا التحول لا يأتي من فراغ، بل يتزامن مع رهان وطني كبير يتمثل في تنظيم مونديال 2030 بشراكة مع إسبانيا والبرتغال، وهو الحدث الذي يفرض من الآن تحولا نوعيا في الحكامة والمؤسسات، ويضع أمام المغرب تحديا متعدد الأبعاد ليس فقط أن يكون جاهزا من حيث البنيات التحتية واللوجستيك، بل أيضا من حيث جاهزية الطبقة السياسية والمؤسسات التمثيلية.
و رصدت المعطيات الحالية ان التحولات الجارية في تقرأ أكثر من مؤشر تصاعد الحديث داخل دوائر القرار والنخب عن ضرورة “تجديد النخب”، “ترشيح الكفاءات”، و”وضع حد لهيمنة المال الانتخابي”، وارتفاع سقف النقد الشعبي لنمط الوجوه البرلمانية الحالية، بل وحتى داخل الأغلبية الحكومية التي تواجه صعوبات في التواصل السياسي وتدبير انتظارات المواطنين. من جهة أخرى، فإن الخطاب الملكي الأخير في عيد العرش حمل إشارات واضحة إلى ضرورة صيانة ثقة المواطنين في المؤسسات، وهي دعوة تتجاوز الشعارات إلى الترجمة الفعلية في نمط الترشيحات وقوانين الانتخاب المقبلة.
و يدخل المغرب مرحلة إعادة هندسة للفضاء السياسي والتمثيلي، قد تُفرز نظاما انتخابيا أكثر صرامة ضد الفساد الانتخابي، وأكثر حرصا على منح الفرص لأطر جديدة، ولشباب مهنيين وخبراء قادرين على إعطاء صورة مشرقة للمغرب في محطات عالمية بحجم المونديال، كما أن هذا التوجه ينسجم مع ما تقتضيه تحديات الجهوية المتقدمة، والورش الملكي لتعميم الحماية الاجتماعية، والاستراتيجية الجديدة للتنمية الصناعية والطاقية، وهي ملفات لا يمكن إدارتها بمقاربات الارتجال والشعبوية، وإنما تتطلب مستوى عاليا من التخصص والالتزام والمسؤولية.
ويتجه هذا التحول المحتمل نحو منظومة انتخابية جديدة قد يعيد أيضا النظر في فلسفة الترشيحات داخل الأحزاب نفسها، ويجبرها على الانفتاح على كفاءات غير منتمية، أو على الأقل تحسين شروط الفرز الداخلي للمرشحين. فالواضح أن الدولة تريد طبقة سياسية تستجيب لرهانات المرحلة المقبلة، وتواكب التحديات الجيوسياسية والإقليمية، وتكون قادرة على تقديم صورة مشرفة عن المغرب في أفق 2030، حيث سيكون العالم ينظر إليه ليس فقط كمنظم لكأس العالم، بل كنموذج للتوازن بين الاستقرار السياسي والانفتاح الديمقراطي.
و يشير المتتبعون الى انه رغم أن المسار لا يزال في بدايته، إلا أن الإشارات المتراكمة، من الخطابات الرسمية إلى تصريحات بعض المسؤولين، تؤكد أن المغرب لا ينوي التعامل مع انتخابات 2026 كما تعامل مع سابقاتها. قد نشهد مراجعة للقوانين التنظيمية، وضبطاً أكبر لمسارات تمويل الحملات، وربما فرض معايير جديدة لترشيح الوزراء والبرلمانيين، بشكل يجعل من “الملف الشخصي” لكل مرشح أو مسؤول حاملا لوزن حقيقي وليس مجرد ورقة شكلية.
في هذا السياق، قد يكون مونديال 2030 فرصة تاريخية للمغرب لإعادة ترميم العلاقة المهتزة بين المواطن والسياسة، من خلال إرساء قواعد جديدة للتمثيلية، وتكريس الثقة عبر ترشيح نخبة سياسية حقيقية، تعكس طموحات الشعب ومكانة الدولة. وبذلك، لن يكون تنظيم كأس العالم مجرد حدث رياضي، بل نقطة مفصلية في بناء تعاقد سياسي جديد، يعيد الاعتبار للمؤسسات ويضع المغرب على سكة التحديث السياسي والاقتصادي المتكامل.