رصدت النقابات ما وصفوه بالوضع الاجتماعي والاقتصادي المتسم بالاحتقان وتنامي مشاعر الإحباط في صفوف فئات واسعة من المغاربة، حيث أطلقت المنظمة الديمقراطية للشغل نداءً حازمًا ينبه إلى خطورة المسار الذي تتخذه الأوضاع الراهنة، محذّرة من أن التفاوت الاجتماعي المتفاقم، وارتفاع معدلات البطالة، وتزايد أسعار المواد الأساسية، وتفشي الفساد والريع، أضحت جميعها عوائق مركزية تهدد ليس فقط القدرة الشرائية للطبقات الوسطى والفقيرة، بل أيضًا السلم والاستقرار الاجتماعي برمته.
و في بلاغ شديد اللهجة، وقفت المنظمة الديمقراطية للشغل على واقع الشغيلة المغربية وما تواجهه من تحديات جسيمة في ظل تشريعات تعتبرها متجاوزة وغير ملائمة للتطورات التي يعرفها مجال الشغل والعلاقات المهنية ومؤسسات الحماية الاجتماعية. وحملت المنظمة الحكومة مسؤولية تعميق الهشاشة من خلال تغييب سياسات عمومية فعالة ومنصفة، مجددة دعوتها لبناء عقد اجتماعي جديد، يقوم على أسس الديمقراطية الحقيقية، الشفافية، والعدالة الاجتماعية، باعتباره السبيل الوحيد لوقف النزيف الاجتماعي.
واقع البطالة، الذي يطال شرائح واسعة من الشباب المغربي، خاصة خريجي الجامعات والمعاهد، يشكل اليوم أحد أبرز المعضلات التي تُقوّض آفاق التنمية، وتذكي شعورًا عامًا بالإقصاء والتهميش. وتشير آخر الأرقام الرسمية إلى معدلات بطالة مقلقة، خصوصًا في صفوف الشباب والنساء، حيث تجاوزت البطالة في أوساط حاملي الشهادات نسبة 20% في بعض الجهات، مع تفاوتات مجالية صارخة تزيد من تعقيد الوضع. ويرى كثير من المتابعين أن السياسات الحكومية في هذا المجال لم تفلح في توفير مناصب شغل تواكب المؤهلات المتوفرة، ولا في فتح آفاق التشغيل المستقر، حيث باتت الغالبية تشتغل في قطاعات غير مهيكلة، دون حماية اجتماعية أو حقوق مهنية.
و تعاني فئات واسعة من المغاربة من تدهور مستمر في القدرة الشرائية، بفعل الارتفاع المتواصل لأسعار السلع الأساسية والمحروقات، دون أي تدخل حقيقي من الدولة لضبط السوق أو دعم الفئات المتضررة. وفي هذا السياق، دعت المنظمة إلى تفعيل نظام “السلم المتحرك للأجور”، وتعميم الشهر الثالث عشر، والرفع من معاشات المتقاعدين وذوي الحقوق بأثر رجعي، كخطوات ضرورية لضمان حياة كريمة، وإنصاف من خدموا البلاد عقودًا من الزمن.
من جانب آخر، نبهت المنظمة إلى ما وصفته بالاختلالات العميقة التي تطال نظام “السجل الاجتماعي الموحد”، معتبرة أن معايير الاستفادة من الدعم المباشر غير دقيقة ولا تضمن الإنصاف، مما يفتح الباب أمام إقصاء شرائح حقيقية من الفقراء والمحتاجين.
وفي ما يتعلق بالإطار القانوني المنظم للشغل، شددت المنظمة على الحاجة الماسة لإصلاحات تشريعية تضمن الحقوق النقابية والحريات الأساسية، داعية إلى تفعيل الفصل الثامن من الدستور الذي ينص على تنظيم الحقل النقابي، كما طالبت بمراجعة شاملة لقوانين الانتخابات لضمان الشفافية والقطع مع الفساد والريع الانتخابي، اللذين يفرغان الديمقراطية من مضمونها الحقيقي، ويعطلان التمثيلية الفعلية للطبقات الشغيلة، ولم تُخفِ المنظمة رفضها القاطع لمشروع القانون المتعلق بممارسة حق الإضراب، واصفة إياه بغير الدستوري، وبأنه يتعارض مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، كما عبرت عن قلقها إزاء ما اعتبرته استمرارًا في استهداف الحريات النقابية ومحاصرة العمل النقابي المستقل، من القضايا التي شكلت أيضًا محور احتجاج المنظمة، ما تتعرض له النساء العاملات من أشكال التمييز والعنف في أماكن العمل، مطالبة بإجراءات زجرية أكثر صرامة ضد كل أشكال التحرش والاستغلال، وبتمكين المرأة من شروط العمل الكريم والمساواة في الأجر والفرص.
وتأتي هذه المطالب في سياق عام يتسم بتصاعد الصراع الاجتماعي في المغرب، وسط تنامي الحركات الاحتجاجية والإضرابات القطاعية، التي تعكس عمق الأزمة وفقدان الثقة في السياسات العمومية. وتعتبر النقابات، ومن ضمنها المنظمة الديمقراطية للشغل، أن غياب الحوار الاجتماعي الجاد، واعتماد مقاربة تدبيرية ضيقة بدل الاستماع لمطالب الطبقة العاملة، لا يزيد إلا من تأزيم الوضع، ويكرس التفاوتات الاجتماعية والمجالية.
و يحذر العديد من الفاعلين من أن استمرار الفوارق الاجتماعية، وتدهور شروط العيش، وتنامي ظاهرة “الريع” بمختلف أشكاله، يهدد بإعادة إنتاج أجيال من المهمشين، ما يشكل خطرًا حقيقيًا على التماسك المجتمعي وعلى الاستقرار السياسي. فالاحتقان لا يمكن مواجهته إلا من خلال استجابة سياسية شجاعة تنطلق من الاعتراف بعمق الأزمة، ومن إرادة فعلية لإعادة ترتيب الأولويات الوطنية لصالح الفئات الأكثر تضررًا، وإلى حين حدوث ذلك، يبقى صوت النقابات أحد الأصوات القليلة التي تذكر بأن الأمن الاجتماعي لا يمكن فصله عن الكرامة والعدالة، وأن تهميش الإنسان هو تهميش لمستقبل الوطن بأكمله.