اعتاد المغاربة التمييز بين مستويات التخاطب فيما بينهم. فما يقال بين الأصدقاء وهم يلعبون “الكارطة” لا يمكن ترديده في المنزل. وحتى بين الأصدقاء يميزون بين فئات تقبل “المزاح” وأخرى لا تقبل ذلك وتعتبره من النقائص.
قبل أن نتحدث عما جرى ويجري داخل البرلمان من سلوكات مشينة في التعامل بين الوزراء من جهة والبرلمانيين من جهة أخرى وبين البرلمانيين أنفسهم، نحكي هذه القصة القديمة والبعيدة عن السياسة لكن قريبة منها.
كان أحد المحدثين (من رواة الحديث النبوي) يهاجر ليسمع من الشيوخ، وذات مرة وهو ممتطٍ دابته يسأل عن أحد الشيوخ في قرية غريبة عنه، فتمت الإشارة إلى شخص كان يأكل شيئا وهو جالس في سكة القرية (إحدى الأزقة) فعاد الرجل أدراجه ولم يأخذ منه الحديث. شرعا الأكل في الطرقات من المباحات ولا حرج فيها، لكن بالنسبة لعالم الدين تعتبر من “خوارم المروءة”.
محل الشاهد هنا هو أن ما يجوز قوله في مكان لا يحق في مكان آخر، وما يجوز لشخص في موقع ما لا يجوز لآخر في موقع مختلف.
صحيح أن الوزير مثله مثل خلق الله، وكذلك البرلماني لا يختلف عن باقي المواطنين في الآدمية، لكن يختلفون من حيث الموقع، الذي ينبغي أن يكون قدوة للآخرين. من الطبيعي أن يمشي الوزير والبرلماني في الأسواق والأزقة ويتبضع ويسافر ويمرح، لكن خارج المؤسسة التي هو رئيس لها أو عضو فيها.
إن أي احتقار لبرلماني من قبل أي شخص مهما كان، ومن داخل المؤسسة، لا يعتبر احتقارًا لشخصه ولكن احتقار للمؤسسة برمتها.
ذات زمان أطلق الملك الراحل الحسن الثاني، طيب الله ثراه، على البرلمان لما شاهد ارتفاع أصوات البرلمانيين وضجيجهم، (أطلق) عليه “السيرك”. ليس تهوينا واستهانة بالمؤسسة التشريعية، وهو باني الدولة الحديثة بمؤسساتها، ولكن تصغيرا لمن يحتل فيها موقع العضوية ولا يحترم هذا الموقع الكبير.
البرلمان هو المؤسسة التشريعية، وهو المؤسسة التي تقوم بالرقابة على عمل الحكومة والوزراء، وعنها تصدر التشريعات، والتشريعات هي ضبط للسلوكات، فكيف لا تتوفر على مدونة للسلوك أو أنها تتوفر عليها لكن دون تفعيلها.
إذا استمرت الحكومة في التعامل مع البرلمان باستهزاء وسخرية واستهتار، حيث يحضر الوزراء متى شاؤوا، ويتعاملون بتعالٍ مع البرلمانيين، وإذا استمر بعض البرلمانيين في إهانة زملائهم لمجرد الاختلاف معهم، فإن كل عوامل العزوف السياسي تبقى قائمة، حيث لا يمكن أن نطلب من المواطن التسجيل في اللوائح الانتخابية، والذهاب إلى مكاتب التصويت، والتصويت على مرشح معين، إذا كان هذا حال البرلمان. مع ضرورة التمييز الواضح بين المؤسسة وبين من يشغل فيها موقعا معينا، لكن هذا في التحليل، لكن عند عامة الشعب لا يمكن أن تقوم بهذا التمييز، ولهذا لابد من وضع حد لهذه السلوكات من أية جهة صدرت.






