*محمد عفري
مخطط التخفيف الذي أقرته السلطات تزامنا مع قرار الاستمرار في حالة الطوارئ K شهرا إضافيا إلى غاية العاشر من يوليوز المقبل ، يعني الدخول التدريجي في الرفع من الحجر الصحي الذي أملته ظرفية وباء كورونا، قبل قرابة ثلاثة أشهر من الآن .
لكن ما بين مخطط التخفيف هذا وبين دخول مرحلة الرفع التدريجي أو الكلي لهذا الحجر هناك مرحلة الإعداد والاستعداد .
لا أحد يجادل في أن المغرب عندما تشبث قبل ثلاثة أشهر من الآن ، على غرار باقي دول العالم ، بفرض الحجر الصحي، لم يكن ينوي البتة القضاء على فيروس كورونا المستجد ، وعيا منه بخطورة هذا الفيروس وسرعة انتقاله واستعصاء التحكم فيه بدواء استحال على كبريات الدول ذات الصيت العالي في السياسات الدوائية والبروتوكولات التطبيبية
ففي إطار مفهوم السيطرة على الوباء ، كان سقف المتمنيات والأهداف لا يتجاوز الحد من انتشار هذا الفيروس الفتاك ، سريع الانتقال ، قدر المستطاع ، والحؤولة دون إصابة عدد كبير من المواطنين بالعدوى ، وبالتالي استحالة تطبيبهم في ظل توفر إمكانيات استشفائية محدودة ، ترتبط بعدم وجود دواء فعال مضاد على المستوى العالمي ، كما ترتبط بمحدودية عدد الأسرة والمستشفيات والموارد البشرية.
بكل أوجه التضامن بين المواطنين وكافة المؤسسات والسلطات ، تجاوز المغرب فعلا عائق المحدودية في التجهيزات الطبية حينما نجح في توحيد الصفوف الطبية بين ماهو مدني و ماهو عسكري ،كما نجح في الوقت ذاته في تعزيز قدراته بمستشفيات ميدانية ومختبرات فيروسية إلى حد الاكتفاء الذاتي وتحقيق مفهوم السيطرة على الوباء.
إقدام المغرب مؤخرا على تنزيل مخطط التخفيف من تدابير الحجر الصحي مع استمرار حالة الطوارئ، بقدر ما لا يعني القضاء على الفيروس والخروج من الحرب ضده بالانتصار، بقدرما يعني أن الفيروس ما يزال حيا بيننا ، يتغذى ، ينمو ويكبر بكبر مساحة الانتشار واتساع دائرة استصغاره والاستهانة به.
بمخطط تخفيف تدابير الحجر الصحي أو بدونها ، وحتى بالرفع الكلي لهذا الحجر الذي سيتم مهما طالت مدته ، فإن الفيروس سيستمر وإن كان بمستويات مختلفة بين الجهات والأقاليم ، ما يعني أن احتمال موجة جديدة من هذا التاجي أمر قائم.
إن كانت لنا في يوهان الصينية وغيرها من المناطق والبلدان التي عاودها فيروس كورونا المستجد للتو بعد خروجها من الحجر الصيني ، فإن أسئلة عريضة تطرح نفسها حول ما إذا كان المغرب بدخوله مرحلة مخطط التخفيف من الحجر الصحي والدخول مباشرة مرحلة الرفع التدريجي لهذا الحجر، أعد للمرحلتين وما بينهما العدة وضرب لهما الحسابات في إطار ما يعرف بقراءة المخاطر الممكنة وتقديرها ، إذ في العودة إلى الحياة الطبيعية باستئناف الأنشطة الاقتصادية والتجارية ، فرصة لمناخ شاسع ومنفتح لانبعاث هذا الفيروس .
إذا كان الأمر يقتضي تدابير خاصة لا تتوقف عند مخاطر رفع الحجر الصحي لتتعداه إلى تدابير موازية خاصة بتمديد حالة الطوارئ ، فإن ما عشناه بأم أعيننا في اليومين الأخيرين على مستوى النقل السككي مثلا ، بين محور الدار البيضاء والقنيطرة من نكوص يفسر إعدادا و استعدادا غير مدروسين من أجل تخفيف ناجح فبالأحرى لرفع تدريجي أو نهائي .
في انتظار المحطات الطرقية، استعادت المحطات السككية حيويتها باستئناف العديد من الأنشطة الاقتصادية والتجارية ، اتضح معها غياب مقاربة وقائية وصحية من شأنها أن تتمم مسار الالتزام الفعلي الصارم بالحجر الصحي في البيوت. أمر غياب هذه المقاربة تجاوز النقل السككي إلى بعض مقرات العمل التي مازالت تتهد الحالة الوبائية بإمكانية خلق بؤر جدية ، ولنا في ضيعة ” لالة ميمونة ” بجهة الغرب خير مثال.
لاشك أن أم القراءات والتقديرات لمخاطر مرحلتي التخفيف والرفع التدريجي تنبني على التدابير الفردية والعامة. فإذا كانت الفردية منها تتعلق بمستوى وعي المواطن تجاه خطورة فيروس كورونا المستجد ويقضه ضميره وترتبط بشروط النظافة والتباعد الاجتماعي ومسافة الأمان واستعمال الكمامات الواقية ، فإن العامة منها لا يجب أن تتوقف عند تحديد الحالات مابين المصابة بالعدوى والمتعافية أوالتي كان مصيرها القضاء بسبب الفيروس ، ولا عند تتبع المخالطين وعزلهم ، ولكن يجب أن تتعداها إلى الإعداد المتناهي لتخفيف آمن و خروج تدريجي من الحجر أكثر أمانا وأكثر حيطة واتقاء من شرور الفيروس .
لسنا ضد مخطط التخفيف ولا مع استمرار الطوارئ ، ولكن لسنا بالتأكيد مع إتاحة الفرصة لاستمرار الوباء وعودته ، كما لسنا مع استنزاف مجهودات ثلاثة أشهر من الحجر واستنزاف قدرات المنظومة الصحية.
فمع استمرار الوباء أو عودته ، لا قدر الله ، ستكون الضريبة ثقيلة ، تتعدى إهمال الأمراض الأخرى ، المزمنة منها على الخصوص، إلى تطور الأمراض النفسية ،وشلل الحياة الدراسية للتلاميذ والطلبة وتفشي البطالة وبالتالي ضعف جودة الحياة..