رشيد لزرق
يستعد حزب العدالة والتنمية إلى إطلاق مبادرة الحوار الوطني، بغاية مواجهة تداعيات كورونا، وتقليص الإختلافات بين الفاعلين السياسيين، بغاية ربح وكسب الوقت وتقليص الاختلافات وهذا يخدم بالدرجة الأولى مصالحه، ويمنع بروز بديل له. وتمكينه من إحتواء فضيحة الرميد التي ستحرج المغرب دوليا في التسويق لإنجازاته في مجال حقوق الإنسان، و داخليا في إعطاء الثقة في المؤسسات.
إحالة ملف الرميد و امكراز للجنة داخلية، رغم أن الملف يلزمه إجراء حكومي من طرف رئيس الحكومة كملتمس للملك لإعفاء الوزيرين، هو جزء من هذه اللعبة، أي تضييق الخلافات قبيل الانتخابات.
تكمن المعضلة الأساسية، ليس في عدم وجود من لا يدفع إلى أن يكون بديلا ، فالأحزاب المعارضة لها ما زالت تعيش مرحلة مراهقة سياسية عنوانها “المشاركة في الحكومة مع العدالة التنمية”، و تتضارب فيما بينها، و العدالة والتنمية تلعب على تناقضات المشهد السياسي، الأمر الذي أكسب العدالة والتنمية مجال رحبا في اللعب على التناقضات، بعد تغلغلها داخل المؤسسات.
يشترك كل خصوم العدالة و التنمية فكريا وسياسيا في العديد من النقاط بفوارق طفيفة، لكل الأحزاب الحداثية، وعدم تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
و هذا ما يفسر عدم دفع هذه الأحزاب بمساءلة الحكومة و تفعيل الآليات الدستورية، في هذا المجال.
هذا على المستوى الخارجي أم على المستوى الداخلي بالعدالة التنمية، فإن حرب الأجنحة تفاقمت بفعل تطاحنات، و إخراج ملف وزير الشغل من قبل جناح بنكيران يوضح حالة الإرتياح في كسب انتخابات 2021، و بدأ التسابق لتموقعات وكسب الرهانات، عبر ترك المجال لشيوخ جماعة التوحيد والإصلاح، التي تستشعر قلقا متزايدا، تتولى مهمة البحث عن تفاهمات تُوصف بالصعبة للوصول لاحتواء فضيحة الرميد الذي تعول عليه في المرحلة القادمة، لهذا العثماني، فضل الهروب من تحمل المسؤولية كرئيس للحكومة كي لا يصطدم مع شيوخ التوحيد والإصلاح .
ولعبة إحالة الملف إلى لجنة الأخلاقيات هو تكتيك لربح الوقت بغية إيجاد تخريجة، وإنتظار السياق الدولي ماذا سيحمل. كما أنهم يستعدون للعب ورقة جديدة، من خلال دعوة البعض فيه إلى إخراج ورقة الحوار الوطني بغاية رسم تموقعاتها المستقبيلة في المشهد السياسي بهدوء وأن تحافظ على وجودها الانتخابي، وتعمل على الفوز بالمرتبة الأولى و تكون لها الحرية في رسم التحالفات المؤثرة.
ان إخراج ورقة الحوار ، ليس سوى مناورة سياسية جديدة، وورقة تفاوضية ستُطرح خلال المشاورات مع الأحزاب تريد من خلالها العدالة والتنمية توظيف أحزاب المعارضة، التي تبدو فاقدة للأمل في أن تكون بديلا ،وإبقاء الباب مفتوحا أمام إمكانية التراجع عن هذا القرار للظهور في صورة الحزب الحريص على تكريس سياسة الشراكة مع بقية الأحزاب.
وواقع الحال فان هذا الموقف الذي ستتخذه العدالة والتنمية يعكس واقع إحتدام صراع الأجنحة داخل العدالة التنمية، والعثماني في الخطوات القادمة لن يتحمل مسؤولية رئاسة الحكومة، لأنه يدرك أن الحكومة لن تصمد أكثر من شهور.
قيادات العدالة التنمية تدرك بكون إخراج التطاحنات للعلن يشكل تهديدا جماعيا، لهم لكونهم سيفقدون الحصانة مما سيسمح ببروز العديد من القضايا التي قد تلاحقه في علاقة بتدبير للجماعات الترابية و الجهات.
فشيوخ العدالة والتنمية، يتابعون السياق الدولي و لديهم قلق فعلي، جراء المتغيرات السياسية التي قد تكون لها تداعيات وانعكاسات فوق قدرتهم على التحمل أو حتى احتواء تبعاتها والتقليل من وطأتها، أكتر من تتبع باقي الأحزاب التي باتت تشهد حرب الجميع ضد الجميع و تعاني من الانهاك.
لهذا فالتلويح بالحوار هو مسعى لخلط الأوراق، و فرصة لفتح سجالات جديدة تعيد بها تطويق مأزقها الداخلي المتفاقم بحثا عن مخرج يمكنها من إعادة ترتيب الأولويات و مواقفها السياسية.
فإن تلك التهديدات لا تخرج عن دائرة التكتيات التفاوضية.