محمد عفري
نفذ دونالد ترامب وعيده الذي ظل يهدد به منظمة الصحة العالمية والعالم أجمع منذ الأيام الأولى من تفشي وباء كورونا . انسحبت الولايات المتحدة من هذه المنظمة بقرار من الرئيس بعدما اتهمها تارة بالتأخر في التحرك الواجب و السريع للتصدي لفيروس كورونا المستجد وتارة بمحاباة الصين ، منشأ الفيروس وحاضنته ، والتزلف إليها.
يعرف العالم أكثر من غالبية الأمريكيين أن انسحاب الولايات الأمريكية من هذه المنظمة ، يعني ضياع نسبة خمسة عشر في المائة من إجمالي المساهمات المالية لمجموع بقية الدول فيها على أساس سنوي ، أي ضياع أربعمائة مليون دولار أمريكي تضخها الولايات سنويا في خزائن هذه المنظمة من أجل التصدي للأمراض والأوبئة ومن أجل الأبحاث العلمية والدوائية . أيضا ، يكاد العالم أجمع يجزم ، كما معظم الأمريكيين أن قرار الانسحاب لا علاقة له بصحة المنتظم الدولي ووقايته من الفيروس أكثر مما هي ورقة سياسية يلعب بها ترامب في ملعب الانتخابات الرئاسية الوشيكة في الثالث من نونبر المقبل. يُؤثر بها على القدر الممكن من ” أعدائه ” الديمقراطيين و يغرّر بهم أكثر من تأثيره على أنصاره الجمهوريين والتغرير بهم . لكن ، هيهات له ان يفلح ، والشارع الأمريكي غلا ويغلي احتجاجا وتنديدا، ممتعضا ، ليس فقط من ضعف البروتوكولات الدوائية التي واجه بها ترامب تفشي وباء الفيروس المستجد الفتاك الذي جعل الولايات المتحدة الأمريكية ، في ظرف وجيز، بالمرتبة الأولى من حيث عدد الإصابات بالعدوى ، بقرابة ثلاثة ملايين مصاب بالفيروس ومائة واثنين وثلاثين ألف وفاة ، و إنما أكثر خيبة وامتعاضا من تصاعد الميز العنصري داخل المجتمع الأمريكي على عهد هذا الرئيس ، في إطار تداعيات مقتل جورج فلويد.
فالحرب في الحقيقة ظلت مستعرة ، منذ بداية انتشار وباء فيروس كورونا ، في دجنبر الماضي ، بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين منظمة الصحة العالمية التي اتضح أنها تخوض هذه الحرب بالإنابة عن الصين ، حين كانت الاتهامات متبادلة بين واشنطن وبكين في إطار ما تم اعتباره حربا وبائية– بيولوجية بينهما كتحصيل حاصل للحرب التجارية بينهما أيضا ، بسبب الضرائب والرسوم.
بالبلاغات والبلاغات المضادة وبتبادل الاتهامات الرسمية وشبه الرسمية ، كانت قد نشبت منذ بداية انتشار فيروس كورونا المستجد حرب قذرة على أشدها ، قوامها المصالح المختلفة وفرض القوة بين هؤلاء الثلاثة ، أكثر مما كانت حرب ائتلاف وتضامن على أخطر فيروس في الفتك والعدوى في تاريخ البشرية . كان ضحية هذه الحرب بالطبع هي شعوب العالم التي تركت عُـزّل من “الأسلحة” الدوائية ومن البروتوكولات الاستشفائية السريعة ، اللهم الحجر الصحي، لمواجهة المصير من انتشار عدوى هذا الفيروس الفتاك في سرعته ، مؤثرا ليس على صحة الأبدان والنفوس ووقايتها ، وإنما على اقتصادات كل بلدان المعمور، ومنها على الأوضاع الاجتماعية لغالبية سكانها.
تستمر هذه الحرب القذرة من داخل الولايات المتحدة ، حين يعلن العلماء وأعداء ترامب من الديمقراطيين تنديدهم بقرار الانسحاب ، وشعارهم أن الأمريكيّين يكونون أكثر أمنا صحيا وأماناً عندما تلتزم الولايات المتحدة بتعزيز الصحّة العالميّة. تستمر كذلك حربا كما هي من القذارة حينما يعلنها مُدويّة جون بايدن ، منافس ترامب والمرشح الديمقراطي إلى البيت الأبيض، واعدا بإلغاء قرار الانسحاب فور انتخابه رئيسا للبلاد في الثالث من نونبر المقبل ، بل تستمر حربا قوامها المال أولا وأخيرا ، حينما يؤكد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أن على الولايات المتحدة، العضو المؤسس في منظمة الصحة العالمية عام 1948، أن تفي بشرطين للانسحاب من المنظمة، وهما التزام مهلة عام ودفع مساهماتها المستحقة ، أي دفع أربعمائة مليون دولار.
خارج هذه الحرب ،لا ننسى أن الحرب على كورونا المستجد مستمرة في جميع البلدان ،مادام هذا الفيروس الفتاك حيا يعيش بين ظهرانينا ، سلاحنا الوحيد لمواجهته هو التعايش والتقيد بالتدابير الصحية الصارمة ، أي بشروط النظافة والأقنعة الواقية والتباعد الاجتماعي ومسافة الأمان وتجنب الاكتظاظ.