أصبح المجلس الحكومي مثل روتين أسبوعي تجتمع فيه الحكومة بكامل أعضائها، تم يخرج رئيسها بتصريح للإعلام العمومي مع نقل فقرات من خطابه الافتتاحي، وبعدها يخاطب الناطق الرسمي باسم الحكومة الصحافة، دون أن يجيب عن أي سؤال محرج، ويبعث رسائل لمن يهمه الأمر من خصوم الحكومة و”منجزاتها”، ولكن لا يهم هذه الحكومة أن يعم الخراب الدنيا.
أول أمس الخميس انعقد مجلس الحكومة بشكل عادي جدا وتناول بعض الأمور تم ناقش وصادق على مرسومين وبعض الاتفاقيات، وكفى رئيسها الأعضاء شر فهم ما يجري في البلاد، ولم تخصص الحكومة ولو دقيقة واحدة للحديث عن الاحتجاجات المتواصلة، التي تشكل معضلة سياسية واجتماعية، وتحتاج إلى حلول من نوع معين.
وعندما سُئل الناطق باسم الحكومة عن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، قال إن حكومته اتخذت قرارها ووضعت أجوبة على أسئلة الشباب، وتنتظر جهة مفاوضة. هذه تسمى أم المغالطات. ما يجري اليوم ليس حركة مطلبية يمكن الاستجابة لمطالبها بمنطق التفاوض، ولكن احتجاجات في الشارع العام ذات طابع سياسي فالأجوبة لا بد أن تكون سياسية وليست تقنية، وقدمت نموذجه بدفع وزير الصحة في خروج إعلامي فيه “الإنشاء” وليس فيه أجوبة.
الاحتجاجات، التي أطلقها الجيل المنعوث بـz، موجهة أساسا ضد الحكومة لا ضد غيرها، فهي المعنية بشعاراتها وليس جهة أخرى، بل إن الاحتجاجات تدعو المؤسسات الأخرى إلى الضغط على الحكومة قصد الاستجابة للمطالب المشروعة، غير أن الحكومة دسّت رأسها في الرمال حتى لا تسمع أي صوت مهما كان.
فالحكومة تبقى بهذه السلوكات خارج التاريخ وخارج السياق وخارج المشهد السياسي، الذي تلعبه الفطنة السياسية دورا مهما، ولا يمكن التعامل معه من خلال وزراء كان مسيرين في شركات تابعة لمجموعة رئيس الحكومة، فالنجاح في التجارة لا يعني النجاح في تدبير الشأن العام، الذي يحتاج حتما إلى توفر الوزير على رؤية واستراتيجية وسياسة واضحة.
خرجت الحكومة من التاريخ بشكل طوعي لأنها أكدت مرة أخرى أنها غير معنية بما يجري حولها، وأنها تشبه شركة مناولة لتدبير الشأن العام، رغم أنها حكومة سياسية منتخبة من عموم الشعب عبر انتخابات ديمقراطية، يحكمها الدستور الذي ينص على أن الملك يختار رئيس الحكومة من الحزب الذي يفوز بالرتبة الأولى.
لقد نص الدستور على أن رئيس الحكومة من الحزب الفائز بالرتبة الأولى، ولم يقرر الدستور أن يكون رئيس الحكومة شخصية تقنية ذات خبرة واسعة، بل أن يكون إلى جانب ذلك سياسيا.
غير أن الطريقة التي تمارس بها الحكومة السياسة اليوم تقول إنها خارج التاريخ، فالحكومات التي تنخرط في التاريخ، هي التي تستثمر الأغلبية العددية في البحث عن حلول للأزمات المتجددة، وهي التي تضع الخطط الكفيلة بضمان الاستمرار السليم للحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بعيدا عن التوترات.