محمد فارس
ابتُليت أمّتُنا بفقهاء التّضليل الّذين يمزّقون الأمّةَ بفتاواهم الحمقاء، فيسير خلْفهم ذوو العقول الدنيا، ممّا يعطي الصورةَ المشوّهةَ لحقيقة الإسلام وجوهره.. فقهاء لم يبقَ في عقولهم، وقلوبهم، إلاّ بقية من إسلام سطحي مذهبي جامد، وعرفانٍ صوفي رَهْباني منعزل، وتحرّكات لشباب عاطفي متحمِّس، متهوّر، يعبث بعقليته هؤلاء الفقهاء الرهبان بفتاواهم التكفيرية التي جنَتْ على الأمّة، ورمتْ بها في أتون الضّياع، والتمزّق، وهو ما أضرّ كثيرًا بالإسلام وبالمسلمين.. إنّ هؤلاء الفقهاء، يُدينون الدّولةَ والأمّةَ، وهو ما يؤدّي إلى البَلْبَلة الفكرية، وإلى التمزّق السّياسي، والتّفرق المذهبي، ثم التّخلف العلمي، والضّعف الاقتصادي، فاعتقد العالَمُ، وهو اعتقاد خاطئ، أنّ الإسلامَ هو السّبب في هذا التخلف، والقهر، والضّياع، والفقر.. ومنذ أشهُر فقط، قام أحدُ فقهاء الفُرص بلوم الدّولة والأمّة، وبدا وكأنّه وحْده المسلم، وأنه يحتكر الحقيقةَ والرّأي الصّواب في فترة تجتاز فيها البلادُ خطرًا محدقًا يتمثل في تفشّي (ڤيروس كورونا)؛ ولـمّا قامت الدولةُ باستشارة خبراء، وعلماء وأطبّاء، قرّرتْ إقفالَ المساجد لفترة محدودة، مع إقفال مرافقَ أخرى متعدّدة، تكون فيها تجمّعاتٌ مصْدرَ خطرٍ على المواطنين من هذا الدّاء القاتل؛ والدّولة بهذا الإجراء، لم تُبْطِلِ الصّلاة في المساجد، وإنّما أوقفتْها مؤقّتًا لظروف قاهرة، حفاظًا على صحّة الأبدان، وذلك يسمح به الإسلامُ كدين يخاطب العقل، ولكنّ الفقيه، الـمُناسَباتي، غابتْ عنه كلُّ هذه الأشياء، وغضَّ الطّرفَ عن سماحة الدّين، وحِكمة العقل، فقام في فتواه ببَلبلة البلاد كلّها، وهو لا يعرف خطورةَ هذا (الڤيروس)، لأنّه ليس من الفقهاء الّذين كانوا يَدرسون الفقهَ، والعلومَ، والطّب، والفلَك، والفلسفة، قبل أن يكونوا فقهاء الإفتاء، لكنْ كلّ متطرّف، ومحرِّض على الفتنة، يَتبعه الغاوون..
قال [ألفريد هوايت هيو]: [ما مِن مسألة ناقضَ العِلمُ فيها الدّينَ، إلاّ وكان الصّوابُ بجانب العِلم، والخطأُ حليفَ الدّين]؛ ونحن نقول له: لقد أخطأتَ، فما قلتَه يصحُّ بيْن العلم واللاّهوت، أمّا بالنسبة للإسلام، فهو قولٌ مردود، حيث لا تعارُضَ بين الإسلامِ وحقائقِ العِلم، ولم يَقُمْ بينهما صراعٌ كما حدث بين العِلم والنّصرانية في (أوربّا)، وهذا أحد الصّحابة قال: [ما أمرَ الدّينُ بشيء، فقال العقلُ: ليتَه نهى عنه؛ ولا نهى عن شيء، فقال العقلُ: ليتَه أمر به]؛ وهذا القولُ تصدِّقه الحقائقُ العِلمية، والمواقفُ الموضوعية، والإجراءاتُ العقلية؛ وإقفالُ المساجد مؤقّتًا كان إجراءً عِلميًا، وقرارًا عقلانيا، لا تناقُض فيهما مع الدّين وسَعة صدْره، والله عزّ وجلّ يقول: [ولا تُلْقُوا بأيديكم إلى التّهلكة] ثم قال: [إلاّ ما اضطُررْتم إليه]، ثمّ أتتْ آيةٌ رحيمةٌ: [إنّ الله يريد بكمُ اليُسْرَ، ولا يريد بكم العُسْر]، ممّا يبيّن أنّ الإسلامَ سهلٌ، وإنّما التعقيد والتشدّد، فهما في عقلية مَن لهم مصلحة في التطرُّف والتشدّد.. فالإسلام صارمٌ
في المحرّمات مثْل الزّنا الذي صيّروه جهادًا، كما حرّم الغدرَ، والقتلَ، والدّماءَ، وقد صيَّرها فقهاءُ التكفير دينًا، فيما الدّينُ منها براء.. وحتى في الحدود، كان الإسلامُ معتدلاً فيها، حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: [اِدْرَؤُوا الحدودَ بالشُّبهات]، إلاّ في قتْل النّفس بغير حقّ، كان الإسلامُ فيها صارمًا وحاسمًا مثْل ما يقوم به الإرهابيون من القتل غدرًا، أوِ التّفجيرات في أماكنَ عامّة، وهي أمور أُخِذتْ من العقيدة الزَّنية المجوسية..
فهؤلاء التكفيريون، ينشطون في الأزمات، يستغلّون ظروفَها للضّحك على العقول المتجمّدة، والعبث بأفكار جهَلة القوم، وأنت ترى ما أصاب الأمّةَ بسبب علماء أثرياء، أنفقوا أموالهم في تدمير الأمّة بدَل إنفاقِها في البناء، وفي العلوم، وفي التّنمية الشّاملة.. يذكُر التّاريخُ أنّ فقهاءَ الضّلال، والتّطرف، والتّحريض، كانوا السّببَ في تفكُّك دولة الإسلام في (الأندلس)، فكان الإسبانُ الّذين دخلوا الإسلامَ بالحماس المفرط، فكانوا بتحريض من الفقهاء، كثيرًا ما يثُورون على العرب؛ فكان أن ضَعفتِ الإمبراطوريةُ الإسلامية في (الأندلس) وتفكّكتْ إلى دُويْلات.. ويذكُر المؤرّخون أنّ أتباعَ الفرق، والمذاهب، من فُقهاء التّكفير الرِّجعيين أيام حُكْم (الـمقتدِر) كانوا يحرّضون ضدّ كلّ ما يعارض أهواءَهم التّعصّبية، وكان مَقْتُهم الخاص موجَّهًا إلى التّآليف الفلسفية، والعِلْمية، التي كانوا ينتزعونها من المكتبات ويحرقونها أمام أعيُـن الناس، ويرمون مؤلّفيها بالكفر، وقد نصّبوا أنفسَهم رُقباءَ على الناس كما يفْعل اليوم فقهاءُ التّكفير في أمّتنا. لقد ثبت بالدّليل أنّ بعضَ فقهاء التكفير، ينتمون إلى منظّمات هدّامة، ويخْدمون أجنداتٍ أجنبية، ويتستّرون وراءَ ستار الإسلام؛ لذا ترى أنّهم كلّما ضاق عليهم الخناقُ، يغيّرون أقوالهم، ويَدّعون أنّهم لم يُفْهَموا، وهي لعبةٌ انكشفتْ، وانفضح أمرُهم، والإسلامُ من فتاواهم براء.. هؤلاء، حذّر منهم رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم، وسمّاهم بـ(أبغض القُرّاء)، وقال عليه الصّلاةُ والسلام: [حيثما لقيتموهم، احثُوا في وجوههم التّراب]؛ فهم أصحابُ زلاّت ومطّبات، قال فيهم عالمٌ جليل: [مَن أخذ بكلّ زَلَلِ هؤلاء العلماء، ذهب دينُه]؛ إذن، احْذروهم، فإسلامُهم لفْظ، ورواياتُهم حِفْظ، وعَملُهم رَفْض..