ما نكاد نصدق الحكومة في شيء حتى تخرج علينا بما يناقضه شكلا ومضمونا. وكدنا نصدق أن الحكومة المغربية تسير بخطى ثابتة نحو الإدارة الرقمية، في زمن لم يعد الورق متاحا كيفما كان يف السابق، بل إن توجهات العالم نحو مجتمع سمته الأساسية الطاقات المتجددة والخضراء، يقتضي التخفيف من صناعة الورق، ناهيك عن كون وتيرة الحياة اليوم لم تعد تحتمل هذا البطء الذي تفرضه الإدارة الورقية، ومنذ مدة والحكومة تزعم أنها قطعت أشواطا كثيرة في الإدارة الرقمية، ودافع عن ذلك الوزير بنعبد القادر لما كان وصيا على القطاع.
استيقظنا اليوم على حقيقة مرة وهي أن الإدارة الرقمية، التي بشرت بها الحكومة مجرد “خرافة”، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، أن فيروس كورونا، ورغم آثاره السلبية قام بعملية تعرية كبيرة للحكومة، حيث اكتشفنا أن الموظفين كانوا في منازلهم يقضون أشغالهم الخاصة ولم يكونوا يشتغلون عن بعد كما أوهمتنا الحكومة.
منشور سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، فضيحة بكل المقاييس. المنشور يدعو الوزراء والمندوبين السامين والعامين ورؤساء ومدراء المؤسسات العمومية إلى استئناف العمل بالإدارات والجماعات الترابية.
استئناف العمل لا يكون إلا بعد توقف. وما كان للعمل أن يتوقف خصوصا وأن الإدارات كان يلزم أن تبقى مشتغلة طوال مدة الحجر الصحي، وكان مفروضا ألا تتوقف سوى الأشغال لكن الوظائف الإدارية كان حتما أن تستمر في الاشتغال، وكل الإدارات كانت محتاجة لأغلب موظفيها، وتتيح التقنيات الحديثة اليوم الاجتماعات عن بعد وتوزيع العمل عن بعد والعمل عن بعد، ودون الحاجة إلى الحضور.
فترة الطوارئ الصحية والحجر الصحي كانت فرصة متاحة للحكومة كي يتدرب الموظفون على العمل عن بعد، ويمكن تقييم عملهم بعد هذه الفترة حتى لو اقتضى الحال إجراء دراسة في الموضوع، لكن تبين أن الحكومة أرسلت الموظفين لمنازلهم وبقيت تنتظر مرور الجائحة كي يعود الموظفون للعمل بالوتيرة نفسها والسياق نفسه والأدوات نفسها، ونكتشف أن الإدارة الرقمية مجرد خرافة.
وبما أن الحكومة غير منسجمة فإن الوزارات اختلفت في أدائها حتى لا نتجنى على أحد و”لا تزر واوزرة وزر أخرى”. فمثلا وزارة التعليم اضطرت إلى تجريب التعليم عن بعد، ولم تكن مهيأة له، كثيرون يعتبرون أنه نجح بنسب معينة وحقق جل أهدافه وإن فشل في البعض فهو نتيجة المفاجأة التي لم تكن على البال، لكن كيفما كان الحال ومهما كانت النتيجة يبقى التعليم عن بعد تجربة، والتجربة يمكن تقييمها من أجل تطويرها، ومن يعمل يخطأ ومن لا يعمل لا يخطأ طبعا فليس له أي شيء يرتكبه، ومن هنا أصبحت وزارة التعليم تتوفر على أرضية يمكن تطويرها ويمكن أن تصبح عنصرا مساعدا في العملية التعليمية.
فضيحة العثماني وحكومته بخصوص الإدارة الرقمية تحتاج المحاسبة لأن هذا الملف صُرفت عليه ملايين كثيرة.