غاابت شركات التواصل وشركات الاتصالات، عن الانخراط في عمليات التوعية والتحسيس من مخاطر انتشار فيروس كورونا، وأبانت القنوات العمومية عن ضعف في مواكبة الحملات التحسيسية والبرامج العلمية والثقافية، والعمل على نشر الوعي الكافي لمواجهة الوباء، ونقل المستجدات العالمية، فيما اقتصرت التغطيات على ربورطاجات ميدانية قليلة، و حوارات باهثة، لا تكفي لإرواء طمأ المشاهدين من الأخبار و المعلومات.
وأبان غياب الاستراتيجية التواصلية لعدد من الشركات، عن ضعف في آليات التواصل المعتمدة، والاكتفاء بتلقي المعلومات دون المساهمة في خلق منتوج اعلامي ، يشجع على الالتزام و الانضباط بحالة الطوارئ الصحية، والتموقع في موقع المتفرج، على مجهودات الأمن و القوات المساعدة ورجال السلطة والجيش، في نشر التوعية والتحسيس، وبدل مجهودات تواصلية كبيرة في الشرح و التوضيح، أمام غياب مسؤولي الإعلام والتواصل بالمؤسسات و الاعلام العمومي عن دورهم في نشر الوعي.
وشكل فيروس كورونا المستجد المتفشي في العالم، اختبارا لوسائل الإعلام ، و للقطاع الذي يشهد أصلا أزمة ثقة غير مسبوقة، حيث يتابع المواطنون الخاضعون للعزل الصحي في بيوتهم في العالم الأنباء باهتمام.
وكشف استطلاع أجراه معهد إدلمان من السادس إلى العاشر من مارس أن أكثر من تسعين بالمئة من الإيطاليين واليابانيين والكوريين يطلعون مرة واحدة في اليوم على الأقل على التطورات المرتبطة بالفيروس، وأكثر من نصفهم يقومون بذلك أكثر من مرة يوميا.
وتبقى الصحافة أساسية مع أن شبكات التواصل الاجتماعي كسرت الاحتكار شبه الكامل للأخبار من قبل وسائل الإعلام. فقد أشار استطلاع اجراه معهد إيبسوس لموقع “أكسيوس” الإخباري إلى أنه للاطلاع على التطورات المرتبطة بالفيروس، ما زال نصف الأميركيين يثقون بوسائل الإعلام التقليدية، بينما تثق نسبة أقل بكثير بشبكات التواصل الاجتماعي.
و يمكن أن تشكل هذه الأزمة فرصة لوسائل الإعلام لاستعادة ثقة قرائها، كما أنها فرصة للقراء الذين يخضعون للعزل لاختيار وسائل الإعلام الكبيرة والصغيرة التي يثقون بها.
وكتبت صحيفة “فايننشال تايمز” أنه “لم يتأخر الوقت لاستعادة ثقة الناس في العلوم والسلطات العامة ووسائل الإعلام”.
وأكد رئيس المجلس الفرنسي للأخلاقيات الصحافية أنها “لحظة مهمة لوسائل الإعلام … لتثبت أنها في خدمة الجمهور أولا بمعلومات جديرة بالثقة عبر انتقائها”.
وكتبت مدونة وكالة فرانس برس كشف الأنباء المضللة “في ميزان فرانس برس” لا، فيروس كورونا المستجد لم يتم إنتاجه ومنحه براءة من معهد باستور، ولا، لا نعرف ما إذا كان ارتفاع حرارة الجو في الربيع “يقتل” الفيروس.
وقالت مديرة الإعلام في البي بي سي التي تشهد مستويات حضور قياسية “في إطار الوضع الصحي الطارئ، توفير أنباء جديرة بالثقة ودقيقة أمر حيوي”، مؤكدة أن هذه المؤسسة الإعلامية البريطانية العامة “لديها دور أساسي لتلعبه”.
أما ريكاردو كيرشبوم الذي يعمل في “كلارين” الصحيفة اليومية الأرجنتينية الأوسع انتشارا، فقال إن “القراء يبحثون عن تحليلات إضافية وخدمات إخبارية وشهادات”.
وشهدت الصحيفة ارتفاع عدد متابعيها على الانترنت مشيرة إلى أن القراء يذهبون إلى موقعها الالكتروني مباشرة من دون المرور بشبكات التواصل الاجتماعي.
وافادت “إنهم يريدون معرفة ما يحدث في دول أخرى مثل إيطاليا واسبانيا وفرنسا التي يغطي أحداثها مراسلون خاصون بنا”، واطلقت الصحيفة نشرة بريدية يومية تتضمن الأخبار الأساسية حول الوباء.
و قالت مارينا ووكر من “مركز بوليتزر” المنظمة غير الحكومية الأميركية التي تدعم الصحافة إنها “ليست مرحلة ملائمة للسبق الصحافي والعمل كالعادة”.
وأضافت “نحن نواجه جميعا العدو نفسه. إنها فترة تضامن والعمل في العمق والبرهنة على أننا نكتب لقراء وليس لأجندات سياسية أو لمصالح اقتصادية”.
ويدعم “مركز بوليتزر” ماليا مشاريع صحافية تعتمد على التعاون بين هيئات تحرير عديدة لتغطية جوانب منسية للأزمة.
وأشار عالم الاجتماع الإيطالي ادواردو نوفيلي من جامعة روما-3 إلى أن عددا من وسائل الإعلام تباطأت في العمل في بداية ألأزمة.
وكتب في دراسة بعنوان “انفومود” تتعلق بما نشرته 257 وسيلة إعلام أوروبية على موقع فيسبوك وجرت بين الأول من يناير و14 مارس أن “الصحف تاثرت إلى حد كبير بحكوماتها الوطنية التي قللت، في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، من خطورة الأزمة المقبلة”.
وعبر الصحافي السابق الذي أصبح أستاذا في الاتصالات وعلم الاجتماع عن أسفه لأن وسائل الإعلام هذه “لم تقم بدورها”.
ونقلت بعضها أخبارا مضللة مثل “ديلي ميل” في بريطانيا التي أوردت فكرة أن الفيروس التقطه شخص تناول حساء خفاش في الصين، وهذه المعلومات تناقلتها صحف صفراء عديدة تعيش على أخبار الإثارة.
و يمكن أن تؤدي هذه ألأزمة إلى تسريع هذه المرحلة الانتقالية التي تشهد موت الصحف الورقية. فبينما دخلت فرنسا في العزل تراجعت مبيعات الصحف بنسبة 24 بالمئة الاثنين 16 مارس و31 بالمئة الثلاثاء 17 مارس، كما ذكرت مجموعة التوزيع “بريستاليس”.
وقال المؤرخ باتريك ايفنو إن “الصحف ستموت أو تعيد تجمعها وكل شيء مرهون بمدة الظاهرة”. وأضاف “لكن وسائل الإعلام التي تعتبر جديرة بالثقة ستستفيد عبر مضاعفة عدد اشتراكاتها الرقمية”.