القانون يأتي دائما ليجيب عن أسئلة الواقع، أو ما يمكن توقع حدوثه في لحظة من اللحظات، ولهذا عودة النقاش حول القوانين االنتخابية يعتبر ظاهرة صحية، ألن السياسة في بالدنا أصبحت روتينا دون إبداع، واليوم بعد خروج جيل جديد من الشباب إلى الشارع إلى االحتجاج، تبين أن األحزاب لم تعد قادرة على استيعاب هؤالء، ليس ألن األمر مستحيل ولكن لأن شيوخ السياسة لا يريدون.
إغلاق باب السياسة في وجه الشباب قضية تسائل األحزاب السياسية عن دورها المركزي في المجتمع، ولم يخرج الشباب دون تأطير سياسي بل معلنا رفضه لتسييس الموضوع رغم أنه يمارس السياسة من أوسع أبوابها، إلا لأن األحزاب السياسية جمدت دهرا من الزمن دون تغيير ولم تعد قادرة على االستجابة للتطورات التي عرفها المجتمع.
الأحزاب السياسية أغلقت أبوابها في وجه جيل تغيرت لديه كل المفاهيم، جيل لم يعد يشبه الأجيال السابقة، لا بمعنى ضرورة إلغاء كل الأجيال لفائدة جيل واحد ولكن بمعنى أن “جيل اليوم” يختلف في تفكيره وفي تعاطيه مع القضايا عن الأجيال الأخرى، وهو جيل عايش قمة الثورة التكنولوجية.
لم تعمل الأحزاب السياسية على خلق أدوات االستيعاب في هياكلها وبنياتها، وحتى في نظرة مناضليها لمعنى األجيال، فإذا كان من حق الحزب السياسي أن يختار القيادة التي يريد، وهذا مبدأ ديمقراطي، فإن ما هو حق ديمقراطي قد يكون غير مستساغ أخالقيا. وال يمكن أن ننتظر من شيوخ مارسوا السياسة عندما كان الراديو أهم جهاز للتواصل تم التليفزيون باألبيض واألسود، والذي لا تتجاوز مدة بته أربع إلى خمس ساعات يوميا، أن يستوعب التطورات التي يعيشها شباب يتواصل مع أقران له في مختلف أنحاء العالم، ومن بلدان تختلف عنا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
الأجيال كلها تتأثر ببعضها البعض، ولا يمكن لشيوخ السياسة أن ينكروا أنهم تأثروا بنظرائهم في أمم أخرى، لكن وقتها كان التأثير بطيئا، اليوم التأثير يتجاوز كل أشكال السرعة في التفكير.
محاولة المشرع معالجة هذا اإلشكال بفسح المجال للشباب للترشح عبر قوائم مستقلة وصرف دعم مالي للشباب أقل من 35 سنة، مهم للغاية من تفادي الإنسداد الذي صنعته الأحزاب السياسية، واختراق الأسيجة التي ضربتها على نفسها، وفي أواخر سبعينات القرن الماضي، تم تجاوز الإنسداد الحزبي بظاهرة المستقلين الذين أسسوا حزبا، مهما قيل عنه في مرحلته الأولى وقبل أن يتحول إلى ظاهرة جامدة، فقد تمكن من استيعاب الأطر المغربية التي لم تكن تجد نفسها في الأحزاب القائمة.
اليوم يمكن الإلتفاف حول ظاهرة الإنسداد بدعم الشباب، الذي قد ينخرط في الأحزاب ويخلخلها أو ينتج ظاهرة حزبية جديدة بعد االنتخابات. في الجملة ستكون مشاركة الشباب، مهما كانت النتائج، ظاهرة صحية تنقذ المشهد السياسي من ركوده الواضح.





