المغرب مهدد بشيخوخة مبكرة. هكذا معطى واقعي لا يصنعه أحد. والذي كشفت عنه مؤسسة عمومية ودستورية هي المندوبية السامية للتخطيط، التي قالت في تقرير لها أخيرا إن حوالي خمسة ملايين مغربي دخلوا مرحلة الشيخوخة وهو ما يفوق 14 في المائة من ساكنة المغرب، والتقرير نفسه يتوقع أن تصل النسبة إلى أكثر من 22 في المائة في 2050، أي حوالي ربع المغاربة سيدخلون مرحلة الشيخوخة في هذا التاريخ، الذي لم يعد بعيدا.
علميا لا يمكن التحكم في الشيخوخة إلا بنسبة ضئيلة، لأن من سيصبح شابا ولد اليوم أو في الخمس سنوات القادمة، وهذا أمر معروف ويصعب التحكم فيه، ومن سيصبح شيخا معروف اليوم من هو وقد تباطأ في الإنتاج، وبالتالي هذه التوقعات لا محيد عنها مهما كانت الظروف ومهما كانت الإجراءات، والتخلص منها لا يكون إلا بنسبة ضئيلة جدا.
لكن ما هو مقدر ولا يمكن التخلص منه يمكن معالجته. وهنا السؤال الملحاح والمحير الذي لا تقترب منه الحكومة الحالية المسؤولة عن شيوخ المغرب في القابل من الأيام وعن شيخوخته، فالسياسات الحالية تؤثر على المستقبل وهي من تصنعه وتهيئ ظروفه، وكل الإجراءات التي يتم اتخاذها اليوم تنعكس غدا على حياة المواطنين.
مغرب الغد أو مستقبل المغاربة بين فكي كماشة اليوم، بين تطورات ديمغرافية طبيعية ولا يمكن التحكم فيها إلا بنسبة ضئيلة ما دامت أسسها موجودة اليوم، أي إن الشيخوخة قدر لا مفر منه، وبين حكومة لا تفكر في أزمات اليوم فناهيك عن وضع خطط مستقبلية لتفادي الكارثة.
وأين تكمن المخاوف بدقة؟ هو أنه لما سيصبح حوالي ربع المغاربة شيوخا يحتاجون الرعاية، ستكون هناك قاعدة أخرى لم يصلوا بعد مرحلة العمل والإنتاج وقد يكونون هم أيضا النسبة الأساسية، أي إن من يحتاج الرعاية في المغرب في ذلك الزمن سيكون كبيرا جدا وكلفته ثقيلة.
من الآن تعتبر صناديق التقاعد ورعاية المسنين مهددة بالإفلاس، في وقت ما زال الهرم متوازنا، لكن بعد عشر سنوات سينقلب وبعدها بعشر أخرى سينقلب جذريا، فكيف سندير هذه الأزمة وكيف سندبر رعاية مئات الآلاف قد يكونون حينها أكثر من النصف يحتاجون إلى رعاية الدولة أو الغير.
ومن هو هذا الغير الذي يمكن التعويل عليه لحمل جزء من الأعباء والكلفة عن الدولة؟ بموازاة انتقالنا نحو مجتمع الشيخوخة ننتقل نحو مجتمع الأسر الصغيرة جدا (النواة)، وبالتالي سنكون أمام أزمة رعاية الشيوخ حتى لو توفرت الإمكانات المالية، وما بالك أن الحكومة لا تفكر أصلا في توفير عائدات مالية بواسطتها تتم رعاية هؤلاء المواطنين، بالعكس لقد تم إغراق البلاد في ديون طويلة الأمد ستقتطع من جيوب المغاربة.
ليس غرضنا التخويف ولكن التنبيه وما زال في يدنا ما يمكن فعله لو أردنا.







