التقشف ممارسة طبيعية في البلدان ذات الاقتصادات المتأرجحة مثل بلدنا، ولهذا كان على كل الحكومات أن تكون من سلوكاتها تقليص النفقات، والغريب أن عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، يبعث بمذكرة التقشف للوزراء والمسؤولين على مقربة من نهاية ولايته، في الوقت الذي تضررت البلاد من الإسراف في النفقات بشكل لا يطاق.
المذكرة عجيبة في تركيبها وخطابها، لأنها غير متناسبة مع الواقع العملي. موجهة للوزراء وكتاب الدولة والمندوبين السامين، لحصر نفقات الموظفين في حدود الاعتمادات المرصودة، والاقتصار على التوظيفات الضرورية المرتبطة بالأوراش الإصلاحية، مع إعادة توزيع الموارد البشرية بين المستويين المركزي والجهوي وضرورة ترشيد استهلاك الماء والكهرباء، وتقليص مصاريف السفر والحفلات والندوات، والحد من اقتناء السيارات الرسمية، وحصر بناء المقرات الإدارية في حالات الضرورة.
لقد شارفت الخمس سنوات التي تمثل فترة ولاية أخنوش على الانقضاء، ولم يبق منها سوى سنة صرف ما تبقى أو ما فاض على نشاطات الوزراء والمسؤولين، وهي سنة محاسبة، سواء على البرنامج الانتخابي أو على طريقة تدبير المال العام. ففي عشر سنوات تضاعفت النفقات العمومية بحوالي النصف، لقد ازدادت بـ46 في المائة بالتمام والكمال.
نفقات لا لزوم لها ولا ضرورة تستدعيها يتم صرفها سنويا وتضيع من جيوب المغاربة، دون أن تذهب إلى أوجه صرفها، وما دام صرف الميزانية العامة لا يختلف عن صرف المال الخاص، بل يتم التعامل معها على أنها “مال سائب”، فلن ينفع دعايات فارغة حول التقشف، الذي ينبغي أن يشكل سلوكا شخصيا لدى المسؤولين والوزراء ورئيس الحكومة قبل أن يكون سلوكا جماعيا.
لا يمكن الحديث عن التقشف في ظل حكومة يعتبر آخر همها هو رعاية المال العام، وقد لاحظنا أن جل المؤسسات تعيش بذخا لا يليق ببلاد تعيش أزمة ارتفاع الأسعار بشكل كبير، ولا يمكن الحديث عن التقشف في ظل تسريبات خطيرة حول اتفاقيات وعقود بين مؤسسات عمومية ووزارات ومكاتب دراسات، بل تفادي التعارض من خلال منح صفقات أو بدون صفقات لشركات في ملكية الأقارب.
الإشكال لا يكمن في غياب التوجيهات، بل في ضعف آليات المراقبة والمساءلة، وغياب ربط فعلي بين الميزانية والأداء، وهو ما يجعل مذكرات التقشف أقرب إلى “رسائل سياسية” موسمية منها إلى سياسة مالية مُلزمة. فأسطول السيارات الرسمية، مثلا، استمر في التوسع رغم الدعوات المتكررة إلى تقليصه، مع بلوغ مصاريف الوقود والزيوت 3.2 مليارات درهم بين 2016 و2022.
وكي لا تكون المذكرة التوجيهية مجرد رسالة سياسية قبيل الانتخابات، على الحكومة الحالية والمقبلة اعتماد سلوك ينسجم مع الوضع الاقتصادي للمغرب، الذي لا يعد من الاقتصادات الكبرى حتى يمكن الحديث عن ترف المصاريف كما يقع الآن في المؤسسات العمومية والبداية التقشفية الدائمة تبدأ من الوزارات تم البرلمان كعنوان بارز لباقي المؤسسات.