تتنافس الأحزاب السياسية في تدبيج مذكرات سياسية تتعلق بالانتخابات مرفوعة إلى رئيس الحكومة، الذي رفع مذكره باسمه إلى نفسه كونه أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية، وتغري المذكرات بالقراءة من قبل المتتبعين، وكان المغاربة في زمن مضى يقرؤون المذكرات بتأن كبير لأنها تحمل كثيرا من الرسائل، وكان السياسيون في وقت سابق يقرؤون افتتاحية مولاي أحمد العلوي في لوماتان كي يعرفوا وجهة نظر الدولة، لكن المذكرات اليوم لا تحمل أية رسالة سوى رسالة طمع.
ليس ادعاءا هذا القول. المذكرات السابقة التي كانت ترفعها الأحزاب، التي كانت مقيدة بعنفوان السلطة وبسطوة الدستور والقانون وبقلة الصلاحيات، كانت مذكرات جريئة واقتراحية وتتعاطى مع الواقع والمستقبل وتفتح الكوة في الجدار الصامت. ومذكرات أحزاب اليوم، التي لا تعاني من السلطة وليس هناك ما يضايقها وتتوفر على صلاحيات واسعة ويمكن أن تشكل الحكومة بصلاحيات أوسع، ليس لها من المذكرة سوى اسم المداد الذي كتبت به.
مذكرات متميزة بطابعها الإنشائي التصعيدي، ولكنه تصعيد نحو مزيد من الريع، في وقت ينتظر الجميع من الأحزاب السياسية أن تكون في طليعة محاربة الفساد، والريع أحد أبواب الفساد الخفية، وإذا تكاثر سيصبح بابا ظاهرا، للأسف الشديد، ومن باب “زيد الشحمة فظهر المعلوف” يطالبون بزيادة عدد أعضاء لائحة الشباب وتحويل لائحة النساء من لائحة وطنية إلى لوائح جهوية.
الشباب والنساء جزء من المنظومة الحزبية، وقبل التفكير في اللوائح لتميكنهم من الوصول إلى البرلمان، افتحوا لهم الأبواب في الأحزاب كي يتولوا المسؤوليات وحينها لن يحتاجوا أبدا إلى اللائحة بل سيرفضونها رفضا مطلقا.
المذكرة هي اختزال لموقف سياسي، وبناء للمشروع السياسي والمجتمعي وفق الصيغة البرنامجية، وبالتالي لا يمكن للحزب أن ينتج مذكرة اقتراحية إن لم تتوفر فيه شروط السلامة الحزبية، ويتوفر على فلسفة سياسية تنسحب على فلسفة الانتخابات وفلسفة الديمقراطية.
ماذا نقصد بفلسفة الانتخابات؟ يعني لنا هذا المفهوم ما وراء الممارسة التقنية. الأحزاب ركزت على المقاعد، التي تجلب المناصب والمناصب التي تجلب المصالح، وركزت على نمط الاقتراع واللائحة، وغيرها، لكن نسيت أن تتحدث عن فلسفة الانتخابات، أي الغرض من وراء كل هذه المعركة، التي تتطلب جهدا ومالا وطاقات. ولا يمكن الجواب عن سؤال الغرض من وراء الانتخابات إن لم تتوفر الأحزاب عن تصور لمفاهيم الديمقراطية الجديدة، المرتبطة بعالم المتغيرات الذي حصل بعد ظهور جائحة كورونا، وبالتالي كان من المفروض طرح سؤال ديمقراطية الأزمة قصد معرفة ديمقراطية الخروج من الأزمة وديمقراطية ما بعد الأزمة.
أحزاب تتسابق على الانتخابات ومن أجل الظفر بالمقاعد، دون أن تربط الانتخابات وما بعدها وما يترتب عنها وما يولد منها بالنموذج التنموي الجديد الذي يتطلع إليه المغاربة، والذي يرتقب تقديمه بعد أشهر. فأية نخبة لابد أن تخدم المرحلة التي تصلح لها. فما هو عنوان المرحلة أيتها الأحزاب حتى تستطيعوا اختيار النخب الملائمة؟