طارق ضرار
تشهد الساحة السياسية والإعلامية المغربية حركية مفاجئة في الخطاب الحكومي، تجسدت في سلسلة من الخرجـات الإعلاميـة الجديدة لعدد من الوزراء، في سياق اجتماعي متوتر. هذه الخرجات، التي يمكن وصفها بـ”خرجـات فرضتها الأزمة”، جاءت كردّ فعل على موجة انتقادات واحتجاجات اجتماعية متزايدة، مما يجعلها مادة غنية لتحليل التواصل الحكومي في سياق الأزمات، وفق مقاربات التواصل السياسي وإدارة الصورة العامة.
التواصل الحكومي بين المبادرة وردّ الفعل
تُظهر القراءة الأولية أن التواصل الحكومي الراهن اتّخذ طابعًا تفاعليًا دفاعيًا أكثر من كونه استباقيًا استراتيجيًا. فالوزراء خرجوا للإعلام ليس لتقديم سردية حكومية متكاملة، بل لتوضيح مواقف ظرفية مرتبطة بملفات حارقة: غلاء الأسعار وأزمة الصحة والتشغيل والتعليم.
هذا النمط من التواصل يعبّر عن ضعف في التنسيق الأفقي داخل الجهاز الحكومي، وعن غياب وحدة الرسالة، وهو ما يجعل الرسائل تتعدد بتعدد المتحدثين، بدل أن تتكامل ضمن استراتيجية حكومية موحدة.
تواصـل الأزمـة (Communication de crise)
في علم الاتصال السياسي، يُعدّ تواصل الأزمة آلية ضرورية لتفادي تصاعد الاحتقان ولحماية صورة المؤسسة.
يرتكز تواصل الأزمة على عناصر أساسية:
تشخيص دقيق للأزمة وتحديد جذورها الحقيقية
تحديد الرسالة الأساسية التي يُراد تمريرها للجمهور
اختيار المرسل الموثوق الذي يمتلك المصداقية.
توحيد الخطاب الإعلامي وتنسيقه عبر مختلف القنوات.
الاعتماد على الشفافية والاعتراف بالأخطاء بدل الإنكار أو التبرير.
في الحالة المغربية، يمكن القول إن الحكومة حاولت اعتماد بعض آليات التواصل في الأزمة، لكنها افتقدت البعدَ الاستراتيجي في التخطيط والتنسيق، مما جعل بعض الخرجات الوزارية تُحدث تضاربًا في الرسائل أو ارتباكًا في التلقي.
الرسالة والمرسل والمتلقي
الرسالة: تتركز الرسائل الحكومية الأخيرة حول فكرة الطمأنة وتبرير التأخير في الإصلاحات، أكثر من كونها تقدم حلولاً ملموسة.
المرسل: الوزراء أنفسهم أصبحوا الواجهة الاتصالية، في غياب متحدث رسمي قوي أو منصة حكومية موحدة.
المتلقي: الرأي العام الذي يعيش ضغطًا معيشيا، ما يجعله أكثر حساسية وأقل ثقة في الخطاب الرسمي.
هنا يبرز ما يسمى في التواصل السياسي بـ”فجوة الثقة” (Le déficit de confiance)، حيث لا يكفي نقل المعلومة، بل يجب أن ترافقها مصداقية المرسل وواقعية الخطاب.
الوسيلة الإعلامية ودورها في تشكيل الصورة
برز في الفترة الأخيرة تحوّل في تعاطي الإعلام العمومي والخاص مع الخطاب الحكومي:
الإعلام العمومي ما زال يميل إلى نقل الرسائل الرسمية بصيغة تقريرية، ما يفقده ديناميته الاتصالية.
في المقابل، غيّر الإعلام الرقمي المستقل طريقته في تغطية القضايا الاحتجاجية، إذ لم يعد يكتفي بالنقل بل أصبح يشارك في صياغة الرأي العام وضغطه، وهو ما أجبر الحكومة على الانفتاح على قنوات جديدة للتفاعل.
قراءة تحليلية وفق مبادئ التواصل السياسي
يُستفاد من الأدبيات العلمية أن نجاح التواصل السياسي يتوقف على: وضوح الرسالة السياسية.
التناسق بين القول والفعل.
تفاعل مستمر مع الرأي العام وليس موسميًا.
القدرة على تحويل الأزمات إلى فرص لإعادة بناء الثقة.
في هذا السياق، يمكن القول إن التواصل الحكومي المغربي يعيش مرحلة انتقالية فهو يتحرك من منطق التبرير نحو منطق الإقناع، ومن الخطاب المغلق نحو التفاعل الموجه، غير أن هذه الدينامية تظل رهينة بمدى توفر رؤية استراتيجية مؤسساتية للتواصل العمومي.
إن قراءة الخرجات الإعلامية الجديدة لأعضاء الحكومة تكشف أن المغرب يعيش لحظة إعادة تعريف لطبيعة التواصل السياسي الرسمي. فـ”تواصل الأزمة” ليس مجرد ردّ على انتقادات آنية، بل هو أداة لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع.
ويُنتظر من الحكومة أن تُحوّل هذا التواصل من ردّ فعل متقطع إلى سياسة تواصلية مؤسساتية تستند إلى العلم والتخطيط، وتضع المواطن في قلب الرسالة.