طبيعي أن تنتقد المعارضة عمل الحكومة، ومن الطبيعي جدا أن ترى الحكومة في المعارضة خصما لها، لكن غير الطبيعي أن “تتخاصم” أحزاب التحالف الحكومي على مقربة من الانتخابات أو أثناء الأزمة التي نعيشها حاليا بسبب الاحتجاجات، التي عرفت بعض الانزياحات والفوضى، ضاربين بالتضامن الحكومي عرض الحائط.
وليست المرة الأولى التي تتعامل فيه أحزاب التحالف الحكومي بهذه الطريقة، وتتنصل من التزاماتها الجماعية، ولكن عشنا في الفرتة السابقة لهذه الحكومة نفس الأمر، فقبيل الانتخابات بستة أشهر خرج حزب التجمع الوطني للأحرار ليمارس المعارضة ضد حزب العدالة والتنمية وقد كانوا شركاء في الحكومة، التي كان فيها الامتياز لوزراء عزيز أخنوش، الذي جيء به رئيسا للتجمع الوطني للأحرار عقب انتخابات 2016.
وكنا من ضمن من لم تنطل عليهم الحيلة، أو كنا وحيدين في هذا الموقف إن لم نبالغ، وكتبنا حينها وكنا من أشد منتقدي العدالة والتنمية، مقالا لا زال موثقا تحت عنوان “مغالطة المفاضلة بين أحزاب الأغلبية”. قلنا فيه إن أحزاب التحالف الحكومي تتحمل المسؤولية مجتمعة. إن المنطق يفرض أنه إذا نجحت الأغلبية يصوت عليها الشعب مجتمعة وإذا فشلت يصوت ضدها ويصوت لصالح المعارضة.
لكن عزيز أخنوش هو من أسس لهذه البدعة، التي بدأت اليوم ترتد عليه، حيث بدأت أحزاب الأغلبية تنفض من حوله، بل حتى بعض النواب من حزبه شرعوا في النقد لحكومته عل وعسى يتم إعادة انتخابهم بألوان أخرى في الانتخابات المقبلة.
لهذا، نرى ليس من حق نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال ووزير التجهيز والماء أن يتنصل من مسؤوليته الحكومية، أو يفصل بين القبعتين، لأن هذا الأمر غير ممكن، فبفضل عقد التحالف الحكومي أصبح بركة وزيرا، وبالتالي فحزب الاستقلال يتحمل المسؤولية.
ويبدو أن بعض الأحزاب ليست لها ذاكرة جماعية، فعندما تم انتخاب حميد شباط أمينا عاما للحزب خلفا لعباس الفاسي، اتخذ الحزب قرار الخروج من حكومة عبد الإله بنكيران وممارسة النقد اللاذع لها، وبغض النظر عن خلفيات هذا القرار، فإن الخلاف مع الحكومة يقتضي الخروج منها.
هذا الخروج الذي يمارسه بعض الوزراء بعناوين غير وزارية قصد الهروب من المسؤولية السياسية التضامنية للحكومة يذكرنا بما به أخنوش، الذي يُسقى الآن من الكأس نفسها التي سقى منها غيره.
لكن من غير المنطقي أن تتهرب الأحزاب من مسؤولياتها التاريخية، فهي مجتمعة في التدبير الحكومي واستفادت من الحكومة ومن منافعها ومن مكاسبها ومناصبها وما حققته لأحزابها بفضلها، وبالتالي لا يمكن التنكر لها، ينبغي الدفاع عنها “ظالمة أو مظلومة”، بمعنى أن تدافع الأحزاب السياسية عن منجزات الحكومة كيفما كانت.
إن كانت المنجزات إيجابا فالشعب سيصوت لصالحها مرة أخرى وإن كانت سلبا سيصوت ضدها، لكن لأنها عرفت أن النتيجة سلبية وأن الاحتجاجات نتيجة هذا التدبير بدأت تفر إلى الأمام.