فتحت الأزمة التي تسبب فيها انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، النقاش العام مجددا حول “السيادة الغذائية” للدول، التي أصبحت على المحك بفعل تمدد مصادر التموين وتراجع الفلاحة إلى الصف الثاني، لفائدة قطاعي الصناعة والخدمات عموما.
فإن كان العديد من المفكرين والخبراء، ومن كل الآفاق والمشارب، منكبين حاليا على التفكير في المكانة التي ينبغي أن يحتلها الاقتصاد الحقيقي في مرحلة ما بعد الأزمة، فإن الكثير من التحليلات، الصادرة بهذا الخصوص، تتنبأ بظهور اقتصاد لا يعتمد كثيرا على القطاع المالي، ويقوم على مراجعة نظام العولمة في اتجاه يعيد تشكيل سلسلتي الإنتاج والقيم.
وفي انتظار اكتمال معالم عالم الغد، فإنه من الظاهر أن أوساط القرار، حول العالم، تنكب من الآن على الملف الشائك المرتبط “بالأمن الغذائي”، لاسيما في ظل الخصاص المسجل هنا وهناك، وارتفاع أسعار بعض المواد، وانقطاع السلسلة التقليدية للتموين بسبب الإكراهات الصحية وإغلاق الحدود بين الدول.
وبملاحظة حالة الدول ومعاناتها مع تداعيات هذه الجائحة الصحية، فالدول التي حافظت على الطابع الاستراتيجي للفلاحة، بكل فروعها، هي اليوم أكثر أمنا، وأوفر حظا في ما يخص القدرة على ضمان عرض كاف لمواطنيها، فضلا عن كونها الأقدر على التحكم في تقلبات الأسعار.
والمغرب، الذي تميز بتدخلاته الفورية في مواجهة الأزمة الصحية التي يعاني منها العالم بأسره، يحق له أن يفتخر بكونه واحدا من هذه الدول، فالوباء شكل اختبارا حقيقيا لقدرات المملكة على الاستجابة السريعة للاحتياجات الغذائية للساكنة وتغطيتها بالكامل.
وقد أظهر تطور سياق الأحداث أن الفلاحة، وما يرتبط بها من صناعات، تمتلك كل المقومات الضرورية، التي تتيح لها أن تكون صمام أمان في مواجهة مثل هذه الوضعيات الملتهبة وغير المسبوقة، سواء على مستوى الإنتاجية أو على مستوى التنظيم أو اللوجيستيك.
وسواء تعلق الأمر بالمنتجات الطرية (فواكه، خضراوات) أو اللحوم أو المواد المصنعة، ذات الاستهلاك الواسع والضروري، فقد تم تزويد الأسواق بكميات وافرة من هذه المواد الأساسية، ودون تسجيل أي انقطاع في سلسلة التموين، حتى في أوقات الذروة، حينما كان التهافت على التسوق كبيرا بسبب تخوف البعض من نفاذ السلع.
بل أحيانا يكون العرض أكثر من المعتاد، فيما حافظت الأسعار على مستوياتها العادية، وبقيت في المتناول، مع تسجيل انخفاض في بعض المواد، طفيف تارة وملحوظ تارة أخرى، باستثناء الارتفاع الذي شهدته الأسواق خلال منتصف شهر مارس الماضي، نتيجة التهافت الكبير عليها قبيل الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية.
فالمملكة، اليوم، تجني ثمار خيار استراتيجي اتخذ منذ عقود، ابتدأ بالسياسة المتبصرة لبناء السدود منذ سنوات الاستقلال لأولى، والتي سيتم تعزيزها سنة 2008 من خلال مخطط المغرب الأخضر، الذي أدخل الفلاحة المغربية عهدا جديدا من الحداثة والاستثمار المكثف من قبل القطاعين العام والخاص.
فمخطط المغرب الأخضر ساهم، بالخصوص، في ظهور فلاحة ذات قيمة مضافة عالية ومردودية مرتفعة، فكانت النتيجة مرضية، حيث تجاوزت قيمة الصادرات الفلاحية والصادرات من منتجات الصناعات الغذائية سقف 50 مليار درهم، وهو ما يمثل ارتفاعا ناهز 85 في المائة، مقارنة مع الأرقام المسجلة في 2010.
وإذا كان هذا المخطط قد سجل نتائج ملموسة على مستوى عيش الساكنة القروية