عندما تقترب الانتخابات يصبح السؤال دائما هو: هل سيتم اعتماد الاقتراع الفردي أم اللائحة؟ هل ستسمر اللوائح الوطنية، التي جاءت لتأهيل الفئات التي لا تصل البرلمان إلى ريع حزبي؟ ويتم الحديث عن التقطيع الانتخابي، والمعركة تدور أساسا حول الصوت..لكن أسئلة حقيقية ما زالت تجد صدقيتها في الواقع ينبغي طرحها اليوم: ماذا نريد من الديمقراطية وماذا تريد الديمقراطية منا؟
في الغالب يُطرح السؤال ماذ نريد من الديمقراطية، لكن ماذا تريد منا الديمقراطية يبقى غائبا؟ لا أزعم أنني أنا من طرحته ولكن طرحه كريستيان تيليغا في كتابه “علم النفس السياسي”، غير أنه طرحه في سياق مختلف.
هل نريد من الديمقراطية برلمانا ومجالس منتخبة؟ أم نريد منها برلمانا ومجالس منتخبة يشرط خدمة الصالح العام؟ لقد راكمنا تجربة في هذا المجال تخولنا الحديث عنها، وهل ما هو موجود بين أيدينا اليوم يمثل صيغة من صيغ الديمقراطية أم مجرد وجها ظاهرا لها؟ هل نلوم الديمقراطية أم نلوم المنتخبين؟ أعتقد أن لكل ديمقراطيته ولا يمكن المقارنة بين الأمم في هذا المجال..
لكن الحد الأدنى لابد من توفره. منتخبون يتهافتون على المصالح هل يمثلون جوهر الديمقراطية؟ هناك إشكال طبعا حول من يمثل المنتخب؟ هل يمثل الناخب أم يمثل الحزب؟ أم يمثل من يصرف عليه خلال الانتخابات؟ إذا فهمنا هذه القضية لم نعد نفاجأ بقرارات يتخذها النواب والمستشارون ضد القواعد التي صوتت عليهم، التي ينتهي دورها عند وضع الورقة في الصندوق.
نريد من الديمقراطية أن تكون “بنت ناس” حتى لو كنا نحن “لا نساوي بصلة”..نريد من الديمقراطية أن تمنحنا كل شيء دون أن نمنحها شيئا..هذه التي تسمى ديمقراطية ملتبسة وغامضة ولا تعطيك قبل أن تعطيها..لن تعطيك منتخبا جيدا إن لم تعطيها ناخبا جيدا..عندما تعطيها ناخبا لا يضع الورقة في الصندوق إلا للشخص الذي يثق في أنه سيكون مدافعا عن المصالح العامة، ستعطيك الديمقراطية منتخبا لا يزيغ عن المحجة البيضاء.
تتداخل عوامل عدة في صناعة الناخب المواطن، منها المنظومة التربوية والقدرة الحزبية على التأطير..اليوم لدينا الناخب الزبون لا الناخب المواطن..معنى الناخب الزبون؟ هو هذا الذي يصوت لغرض معين ولا يصوت للبرنامج القادر على خدمة المصلحة العامة أو حتى للشخص المعروف بالصدق من خلال التجربة الاجتماعية..الناخب الزبون هو الذي يذهب إلى الصندوق ليصوت على المرشح المقرب من الجمعية التي تمنحه “حولي العيد” و”قفة رمضان” وفلوس الختانة”..الناخب الزبون هو الموعود بقضاء أغراضه الشخصية لا أغراض الجميع..الناخب الزبون تغريه أمورا تتعلق بشخصه لا بالمجموع، وقد تكون هذه الأمور ذات عناوين كبرى لكن في جوهرها تغطي على الرغبة الشخصية..
أظن أن الديمقراطية تنتظر منا الكثير وربما أكثر مما ننتظر منها نحن.