هناك توجه نحو تعزيز مرتكزات محاربة الفساد عبر تمتين الترسانة القانونية، ليس فقط من خلال القوانين المتعلقة بجرائم الفساد، ولكن من حيث منح الهيئات القائمة على الأمر صلاحيات قانونية أوسع وأشمل، وهذا ما تم أمس من خلال مصادقة مجلس الحكومة على القانون التنظيمي الخاص بهذه الهيئة، التي نص عليها دستور 2011 باعتبارها من أهم وسائل الرقابة بالمغرب.
الفساد مأزق إنساني تعيش كل الدول ومحاربته إشكالية كبرى، لأننا ندخل أحيانا في دورة كبيرة تعيدنا إلى الصفر في هذا الشأن، يعني أن من يراقب يحتاج إلى رقابة وهذا الأخير يحتاج أيضا لمن يراقبه وهكذا دواليك، ولا يتم حل هذه المعضلة إلا بتوفر إرادة عامة لدى الجميع تكون معززة بترسانة قانونية وحماية للفاعلين في المجال وخصوصا المنتمين للهيئات الدستورية المكلفة بهذه المعركة الكبرى.
نسميها المعركة الكبرى لأنها أم المعارك التي يمكن أن يخوض أي شعب وأن تركب سفينتها أية دولة تطلب آفاق التقدم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وبعد الانتصار في هذه المعركة يمكن الانتصار في باقي المعارك، خصوصا تلك المتعلقة بالإنتاج والفعل الاجتماعي البنّاء.
في المغرب هناك إرادة قوية لمحاربة الفساد، وبهذه الإرادة الصلبة والرغبة في تصفية الإدارة من الشوائب يقود جلالة الملك محمد السادس البلاد، منذ توليه العرش قبل 20 سنة، وتم خلالها تركيز آليات كثيرة للقضاء على الظاهرة أو تطويقها في نطاق ضيق يسهل التحكم فيه، وتم تتويج هذه الإرادة بدستور 2011، الذي أعلن صراحة أن مؤسسات محاربة الفساد هي مؤسسات دستورية وليست من نوافل العمل المؤسساتي بل هي واجبة ووجودها ضروري ودونها الخراب.
الإرادة الملكية لمواجهة الفساد لا هوادة فيها وهي من الصرامة ما يجعلها، إلى جانب مؤسسات الدولة، قادرة على انتزاع النصر في هذه المعركة المصيرية، وكان جلالة الملك انتقد في وقت سابق العراقيل الإدارية في وجه المستثمرين، التي تدفع الكثير منهم إلى الإحجام عن العمل أو الهروب، ودعا إلى سن قانون يقضي بحق المستثمر في الشروع في عمله بعد شهر من وضع ملفه إذا لم يتلق جوابا. هذه كلها لبنات في سياق محاربة الفساد.
بين إرادة الملك ومعه مؤسسات الدولة وإرادة الشعب الراغب في تنقية الإدارة من الفساد توجد إرادة الحكومة، التي عليها ألف سؤال، وهي مهمة طبعا، لأن هذه الأخيرة هي من تمتلك الأدوات والآليات، وتمتلك القدرة على تدبير الميزانيات وتمكين باقي المؤسسات من أدوات العمل، بل إن الدستور وضع كل المؤسسات والإدارات تحت تصرف الحكومة، وبالتالي تبقى هي الحلقة التي ينبغي أن تتحرك في السلم الصحيح.
من غير المنطقي الحديث عن محاربة الفساد إذا لم تتوفر الحكومة على الإرادة الكافية لذلك لأنها ستكون عنصر عرقلة وعقبة في وجه مكافحة الفساد إن لم تنخرط بالجدية اللازمة التي يريدها جلالة الملك والشعب المتلاحمين في الثورة الثانية للملك والشعب.