في حديثه “إلى النهار المغربية” ، فتح مراد الخودي مخرج مسلسل “قضية العمر” الذي شد إليه الملايين من مشاهدي القناة الأولى علبة أسرار نجاح هذه الدراما والمعيقات التي لاقتها.
صاحب “فورماطاج ” و”جنب البحر ” و”حياة بريئة ” و “12 ساعة ” وأبواب السماء ” ومسلسلات “لا عليك” و “هي” و”قضية العمر” ؛ الفنان التشكيلي و السيناريست والمخرج الخودي شرح جسد العلاقة الباردة بين الدراما وبعض الإدارات المغربية و أسرار أخرى نكتشفها في الحوار الشيق التالي ..
*****
حاوره محمد عفري :1/3
*******
*”قضية العمر” المسلسل المعروضة حاليا بالقناة الأولى للتلفزيون المغربية اخد مكانته بين الدراما الوطنية وشد ملايين المشاهدين إلى أي حد كان رهانكم على نجاحه؟
#حينما اجتمع المؤلفون الثلاثة ؛ عدنان موحجة ويحيى الفاندي وعبد ربه ؛ مراد الخودي ؛ كان رهاننا الأول هو تقديم فكرة جديدة لندخل بالمتلقي إلى عالم جديد ؛ لم نألف جميعنا مشاهدته ؛ هو عالم المحاماة ، عالم القضاء وما يروج داخل المحاكم بصفة عامة .
كان بالنسبة إلينا الولوج إلى هذا الفضاء أو إلى هذه “التيمة ” أصلا رهانا مربوحا . بعد ذلك ، وفي إطار تطوير الأحداث ؛ كان إجماعنا على أن نقدم أولا مسلسلا يحقق فرجة غير مسبوقة ، ويكون ثانيا عملا لا يتعالى على الجمهور الذي يبقى هو العملة الحقيقية بالنسبة إلينا .
لا أخفيكم سرا أنه حينما كنا نكتب سيناريو” قضية العمر” ، ظلت جملة واحدة تتردد بيننا عشرات المرات ؛ مفادها ” لا لاحتقار الجمهور” ؛ وذلك إيمانا منا بأن هذا الجمهور على وعي فني كبير ، ومن حقه أن يحضى بعمل في مستوى وعيه وانفتاحه المتعدد أولا ، دون أن نبخس مقدراته المعرفية والفنية المكتسبة لذيه ثانيا .
الإجماع أيضا ، كان على ضرورة مشخصين من عمق الساحة المغربية. لذلك يلاحظ المتلقي وهو يتابع أحداث المسلسل أنه بمقدور جميع المغاربة أن يجدوا أنفسهم أو يشاهدوها في واحد من أولئك المشخصين ؛ وإن لم يكن ؛ فمشخص واحد ، على الأقل ، يحس المتلقون أنه على قرابة منهم ؛ في أسرهم وعائلاتهم وعلاقاتهم ؛ إما عم أو خال أوصهر ، و إماصديق أو جار..
*هل عملتم على وصفة محددة لكسب رهان الجمهور في”قضية العمر”؟
#بالإضافة الى السيناريو ، اعتمدنا كما سبق الذكر على مشخصين من عمق المجتمع المغربي . جلهم شخصيات بسيطة جدا ؛ لكن عمقها قوي ومتين. لقد بحثنا عن الكم المتوفر من العمق في كل شخصية على حدى ، كما بحثنا على كيفية توظيف هذا العمق ؛ ومن هنا انطلقنا في الاشتغال على السيناريو والحبكة ؛ لكن بإصرار شخصي على وضع نمط خاص ؛ هو نمط مراد الخودي ، المعتمد على التشويق الذي كان ضروريا في هذا العمل الدرامي.
وعيا منا بأن الجمهور المغربي شغوف بهذا التشويق ؛ كنا ندرك أن إتقان عمل مصحوب بالإثارة سيكون مكسبا كبيرا من حيث المتابعة. أدركنا أيضا وبشكل مسبق ، أن دائرة مكاسب المتابعة والمشاهدة ستكبر وتتوسع أكثر بإضافة قصة حب بتوابل درامية . أما إذا زاوجنا بين ثالوث الإنسانية والإثارة والرومانسية المبنية على المشاعر ؛ فقد كان مكسب شد المتتبع والمشاهد أكثر اتساعا وتعاطفا..
لذلك كان الرهان لدي من أجل تقديم مسلسل تلفزيوني الفصل في الاختيار ؛ ما بين مسلسل بوليسي أو درامي أو رومانسي ؛ فكانت الدراما بثالوث الإنسانية والإثارة والرومانسية في آن واحد هي الخيار الأفضل وبمطامح النجاح طبعا .
أظن أنه إذا اجتمع هذا الثالوت فلا يمكن إلا أن تنتظر كسب الرهان ، ولا أدل على ذلك سوى أننا اليوم على مشارف عرض الحلقة السابعة عشر والمكسب هو العدد القياسي لنسبة المشاهدة..
*هذا عن نجاح السيناريو وماذا عن المنظومة الإنتاجية ضمن هذا النجاح؟
#الجمهور المغربي كما سبق ذكره أصبح منفتحا على قنوات عالمية جديدة أقلها “نيتفليكس ” كمثال ؛ أوقل منفتحا على نوع جديد من الفرجة ؛ ما جعله ينتظر من الفنون المغربية قاطبة ، الارتفاع إلى مستويات لا تقل عما يشاهده في القنوات الأجنبية .
لنركز هنا ، مثلا ، على المسلسلات التركية التي غزت البيوت المغربية في السنوات الأخيرة بارتفاع مستوياتها الفنية المتنوعة لكسب المتلقي ؛ ولنجزم أن الاشتغال على الجانب التقني لتجويد المنتوج المغربي ، يفرض نفسه اليوم وبقوة ؛ وهو ما يستوجب تصويرا راقيا ، إلى درجة أن إدخال آليات السينما إلى الأعمال التلفزيونية أصبح حاجة ماسة وضرورية ، ما يمكنك من إنتاج مسلسل بشكل مغاير وغير معهود لدى المتلقي .
هكذا كان الرهان كبيرا في “قضية العمر “على الجديد النوعي على مستوى الصورة والأضواء والألوان و التصميم والمعايرة والديكور .
بالنسبة للديكور ؛ وكما لابد هنا من ذكر المجهودات الكبيرة لشركة الإنتاج ( المنتج المنفذ ) ، لابد أيضا من شكرها على أريحيتها وسعة صدرها، حيث كنت كلما طلبت إليها ديكورات غنية ، ليس ماديا وإنما فنيا ؛ إلا كان التجاوب المهني الفائق والتنفيذ السريع ؛ علما أن الديكور يمكن أن يكون فقيرا من حيث التكلفة المادية لكن غنيا من حيث الحمولة الفنية..
*”الكاستينغ غالبا ما يكون نقطة جدل في غالبية الأعمال ، فإلى أي حد كان مساهما في تألق “قضية العمر “؟
# رهان النجاح ظل كبيرا على مستوى “الكاستينغ ” حيث كان من الضروري تقديم مسلسل بمشخصين قادرين على التجاوب مع الحمولة الفنية النوعية للسيناريو والمناسبة جدا للشخصيات التي رسمها النص .
شخصيا ، إن كنت ضد فكرة التعامل والاشتغال مع مجموعة معينة من المشخصين ، فإنني صارم في اختيارات الكاستينغ بالحرص على المشخص المناسب في الدور المناسب . باختصار ؛ انا من المخرجين الذين يشتغلون كثيرا على ما يسمى بإدارة الممثل..
فمثلا الشخصية التي قدمها ناصرأقباب ( إلياس) شخصية صعبة للغاية والاشتغال عليها كان كبيرا وأصعب ؛ وبما أن شخصية “إلياس” موجودة في الواقع بيننا داخل المجتمع ، وتستلزم مشخصا من الدرجة الأولى ، فقد كان بالنسبة إلي من يجسدها ، على أكمل وجه ، موجودا أيضا في الساحة الفنية الشابة.
نفس الشيء بالنسبة لشخصية السجين” با العربي ” التي شخصها محمد خيي..
فالمتلقي لابد من أن يقدر الجهد الكبير المبذول لإخراج هذا الممثل القدير من كل الشخصيات التي قدمها طوال مساره الفني وعرضه بحلة مغايرة وجديدة عن مألوف الجمهور المغربي ، وذلك بنقله من شخصيته “الجبروتية” المتصوفة القوية إلى شخصية ضعيفة الحال على مستوى الدور ، قوية جدا على مستوى الأداء الفني.
ففيما كان السؤال المطروح ما الذي يمكن فعله ليظهر محمد خيي بشكل مغاير عن المألوف ؛ كان الجواب عند خيي سريعا أثناء التصوير ، أولا ؛ بقوته في التمثيل وهو يؤدي العمق المبحوث عنه ، وثانيا في تعاملنا مع تشخيصه هذا بحرفية كبيرة ؛ فكان النجاح حليفه في هذه الشخصية وبالتالي نجاحنا في جانب من العمل كله ، الذي ساعدنا على التألق فيه أيضا الوقت الكافي للتحضير والتصوير..
*على ذكر الوقت كم هي المدة التي استغرقها هذا العمل ليكون جاهزا؟
#المسلسل تطلب منا أكثر من أربعة أشهر للكتابة وخمسة أشهر للتصوير وشهرين للتحضير . بعملية حسابية تطلب منا سنة كاملة للإنتاج ، دون احتساب مرحلة التوضيب الذي تطلب بدوره شهرين كاملين توازيا مع التصوير و شهرين إضافيين بعد التصوير ، ليكون هذا العمل استهلك من وقتي شخصيا سنة وشهرا..
في الوقت الذي كان هذا المسلسل مقترح عمل مبرمج في شهر رمضان للسنة الماضية (2019 ) ، كان رهان النجاح فيه عدم تقيدنا بالسرعة والتسرع من أجل تقديمه .
بقدرما أنا ضد فكرة بداية عرض مسلسل بثلاث أو أربع حلقات مكتوبة مثلا ، والتصوير جار على قدم وساق هنا وهناك ؛ بقدر ما كنا حريصين على الوقت الكافي في جميع مراحل الاشتغال على هذا المسلسل . الحمد لله حينما يتوفر لذيك الوقت الكافي وتعطي لكل جانب من عملك وقته المناسب ؛ لايمكن إلا أن تحصد التألق ولا غرابة في أن يكون النجاح حليفك..
شخصية ميلود من بين الشخصيات المحورية داخل العمل وقد جسدها الممثل المقتدر البشير واكين بكفاءة عالية ابان عن كعبه في تشخيص درامي مركب بعد تقمسه لادوار كوميدية موفقة ..شكرا للمخرج عن اختياراته الجيدة لابطال العمل ومن بينهم الوجه الجديد نادية ايت بحظورها الجميل وتقمسها الموفق للدور .