محمد عفري
مرحلة ما كنا لنتمناها. لكن ما عَسانا ! رُعُونة بعضنا وسلوكات غير مسؤولة لبعض آخر منا، أسقطتنا في المطب.
انتظرنا أن تكون المرحلة الثالثة من مخطط تخفيف الحجر الصحي حُسن خاتمتنا في مواجهة كورونا المستجد بنجاح مكين، لكن النتيجة جاءت معكوسة. الحلّ منعُ – بمعنى ” الإغلاق”- للتنقل من وإلى مدن ثمان.
على الرغم من كون غالبيتها مدنا تعتبر عَصب الاقتصاد الوطني ومحرك التنمية وقطب الرأسمال المادي واللامادي، فإن قرار وزارتي الداخلية والصحة سادها. في مقدمتها ، طبعا ، الدار البيضاء التي ظلت في عهد الحجر الصحي “رائدة” سلبية في تسجيل الإصابات بالعدوى، وطنجة التي اشتهرت منذ بداية تنزيل مخطط تخفيف الحجر الصحي إلى اليوم “حاضنة” للبؤر الصناعية والمهنية والعائلية الناقلة للعدوى والمفضية إلى الموت، وفاس ومكناس اللتان اعتبُرتا مدينتين لعدد وافر من الحالات الحرجة علاوة على كونهما سجلتا أرقاما مرتفعة في عدد المصابين في عز انتشار وباء كورونا المستجد. منها أيضا مراكش التي، علاوة على كونها سجلت أرقاما مرتفعة للإصابة إبان الحجر الصحي، فإنها عاشت على إيقاع تفريخ البؤر الوبائية المهنية والعائلية و”شبه العائلية “، على حد تعبير رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، ناهيك عن سطات وبرشيد اللتين تدخلان في “محور” الدار البيضاء.
إلى عهد قريب، مابين بداية أبريل ونهاية ماي، حيث ذروة كورونا المستجد الفتاك؛ بينما كانت ساكنة العالم أجمع، تحت رحمة الحجر الصحي داخل البيوت، تُحصي الموبوئين بالملايين والموتى بالآلاف تتحسس العدوى والموت، وكأنهما الطير فوق رؤوسها، في كل دقيقة وحين؛ كان المغرب بحِلم (كسر الحاء) مؤسساته وحنكة سلطاته والتزام وتضحية مواطنيه وعزيمة وبسالة طواقمه الطبية والتمريضية قد حصّن نفسه ، وشكّل استثناءً دوليا في التعاطي مع هذا الوباء في الوقت المناسب ، بل أصبح نموذجا أَمثلَ في تدابير الصد والمواجهة ، حيث بنى لنفسه سدا منيعا في وجه أشرس فيروس في الكون.
بمحدودية الإمكانيات الصحية والبروتوكولات الاستشفائية مقارنة بكبريات الدول ، كان المآل مشرفا ،قوامه الوقاية والاحتراز الاستباقيان بالتضحية بالاقتصاد لصالح صحة المغرب والمغاربة. أما النتيجة فتكرسها أقل الأضرار في أعداد المصابين بالعدوى وأقل الخسائر في الأرواح، رغم اتساع دائرة الكشوفات المختبرية..
كان بديهيا أن ترتفع أعداد الإصابة بالعدوى باتساع رقعة المخالطين ودائرة الكشف المخبري، مع بداية تنزيل مخطط التخفيف ،في مرحلتيه الأولى والثانية، واستئناف أنشطة المقاولات الصناعية والأوراش الحرفية والوحدات الخدماتية من أجل إعادة الروح إلى الدورة الاقتصادية وما تتطلبه من تنقل لليد العاملة وللبضائع، ومع عودة المغاربة العالقين بالمهجر..
لكن، أن ترتفع حالات الإصابة بعدوى كورونا المستجد وحالات الوفيات، إلى حد تسجيل أرقام قياسية قد تَهدّ ما بناه المغرب من برامج وقائية حصّنت المغرب والمغاربة في عز انتشار هذا الوباء، بشكل لم تتمكن منه أعتى الدول و”أعظمها” في نجاعة سياساتها الاستشفائية وبروتوكولاتها الدوائية، فذلك ما كان باعثا على إعادة النظر في المرحلة الثالثة من مخطط التخفيف، بعين فرض “حماية” البلاد والعباد، قبل الوقوع في المحظور، أي منع التنقل مِن وإلى المدن التي تشكل خطرا محدقا في سرعة انتشار أخطر فيروس..
لم يسبق للمغرب أن سجل خمسمائة وسبعين حالة إصابة، إلاّ أن أكدتها حصيلة وزارة الصحة مساء الجمعة الأخير، ولا أن سجل ثمان مائة وأحد عشر موبوءا في رقم قياسي وطني، إلا أن تناولتها معطيات مديرية الأوبئة، مساء السبت، ولا ستمائة وثلاثًا وثلاثين إصابة إلا أن تم تأكيدها مساء الأحد.. أما عدد الوفيات ، فقد عرفت ارتفاعا يبعث على الذعر، إذ في الأيام الأربعة المذكورة وحدها بلغ إجمالي الوفيات ثماني وعشرين حالة وفاة ، أقلها ستٌّ في حصيلة مساء الجمعة و”أوسطها” سبعٌ في حصيلة يومي الخميس والسبت، وأقصاها، كرقم قياسي غير مسبوق ، بثماني وفيات في حصيلة مساء الأحد.
إذا كانت أرقام الإصابة بالعدوى ومعدل الفتك قد بلغت أرقاما قياسية، فلأن سلوكات غير مسؤولة للمواطنين تمثلت في التراخي في التقيد بشروط النظافة والتعقيم واستصغار استعمال الكمامة وعدم احترام مسافة الأمان والتباعد الاجتماعي كانت سببًا مباشرًا. في المقاهي و الشوارع، كما في وسائل النقل والفضاءات العمومية والشواطئ والأسواق، كان استصغار كورونا هو السائد . في بعض الوحدات الإنتاجية والمصانع والضيعات الفلاحية كانت الاستهانة بهذا الفيروس، أيضا ،هي الطاغية وهي السبب في خلق بؤر اقتصادية. لذلك من البديهي أن تكون العواقب وخيمة ، فلنتحملها جميعا ،وإن لم يكن لغالبيتنا يدٌ فيها..