بينما كانت جماهير الكرة المغربية تتابع مباراة المنتخب المحلي أمام أنغولا، تردّد سؤال واحد بصوت داخلي، وإن لم يُطرح علنًا: هل هؤلاء اللاعبون الذين يبدعون اليوم هم أنفسهم الذين اعتدنا رؤيتهم في ملاعب البطولة الوطنية؟ وهل فعلاً ينتمون إلى نفس المنظومة التي طالما شكونا من تواضع إيقاعها ورتابة أدائها؟
المفاجأة لم تكن في النتيجة، بل في الأداء. حيوية، انضباط، نزعة هجومية منظمة، جرأة تكتيكية، وقتالية حتى النفس الأخير… إنه مشهد مغاير تمامًا لما عهدناه في مدرجات ملعب البشير أو من فوق مدرجات الملاعب الوطنية الأخرى. هنا، يظهر المنتخب المحلي بصورة أخرى، بهوية كروية مشبعة بالثقة والانضباط، وكأن الأمر لا يتعلق فقط بقمصان مختلفة بل بعقلية جديدة بالكامل.
إذن، أين يكمن الخلل؟
السؤال منطقي، بل مُلحّ: هل الفرق في الجو؟ في الأرضية؟ في شكل القمصان؟ في الأضواء؟ في خطوط التماس؟ أم في أشياء غير مرئية لكن أشد تأثيراً: كالتصور، والقيادة، والتحفيز؟ هل يكفي أن تُنزع من اللاعب قميص ناديه ليصبح فجأة مؤهلاً لتقديم أداء من طراز أوروبي؟ أم أن هناك شيئًا عميقًا، تغيّر، ليس في اللاعب، بل في من يقوده؟
وحيد خليلوزيتش قال ذات يوم إن بعض لاعبينا “لا يمارسون كرة القدم، بل رياضة أخرى”، تصريح أغضب الكثيرين، لكننا اليوم نرى هؤلاء “اللاعبين أنفسهم”، تحت قيادة طارق السكتيوي، يمارسون كرة القدم فعلاً… وبإتقان.
الفرق ليس في اللاعب.. بل في من يُحرّك اللاعب
طارق السكتيوي، بخياراته، برصانته، بثقته، بقراءته العميقة لقدرات لاعبيه، يعيد تعريف الممكن داخل الكرة المغربية. لقد استلم منتخبًا أولمبيًا في ظروف حرجة، بلا بعض أعمدته الذين استُدعوا للأسود، ولم يشتك. صنع منتخبًا من لا شيء تقريبًا، وذهب به بعيدًا في دورة تركيا. ثم عاد ليكوّن منتخبًا محليًا جديدًا من مواليد 2000 وما بعد، وقال بكل ثقة: “سنذهب لنتوج بالكأس”… لم تكن مجرّد عبارة حماسية، بل إعلان عن مشروع كروي متكامل، لا يستند إلى “أسماء” بل إلى “تصورات”.
حين غاب الوافي، وشادي، والصيباري عن الأولمبياد، لم يذرف السكتيوي دموع التبرير، بل منح العزوزي دورًا جديدًا، وأبدع فيه. ومن خلاله، رأينا واحدة من أفضل نسخ أشرف حكيمي مع القميص الوطني، نسخة أكثر تحررًا وفاعلية وانسجامًا.
في ظرف أسبوع… منتخب
مع السكتيوي، اكتشفنا أن المنتخب لا يحتاج دائمًا إلى معسكرات طويلة وأشهر من التحضير. في سبعة أيام فقط، يصنع طارق فريقًا، يُحسن التمركز، ويتناوب الضغط، ويهاجم بمجموعات صغيرة، ويدافع بكتلة واحدة، وينضبط تكتيكيًا. إنها ليست فقط قدرة تقنية، بل قوة على بناء “الروح”، وهذا ما يجعل لاعبيه يظهرون بتلك الصورة التي أبهرت المتابعين.
طارق والعارضة… مشروع يستحق الرهان
بعيدًا عن خطط اللعب وتكتيكاته، يبني السكتيوي علاقة خاصة مع العارضة، مع التحدي، مع المستقبل. هو لا يبحث عن الأعذار، بل يصنع البدائل. لا يعيش في ظل الغائبين، بل يراهن على من حضر. ولهذا، تبدو العارضة معه مشرقة جدًا… مستقبل الكرة المغربية المحلية يبدو أكثر إشراقًا إذا ما تُرك الرجل يشتغل بهدوء، ويُمنح الثقة والصلاحية.
في النهاية، ربما ما نراه اليوم ليس معجزة، بل ببساطة: “هذا ما يحدث حين يُدرب المنتخب مدرب فعلاً.”