حتى لا تتحول المؤسسات الدستورية إلى مجرد منابر للخطابة، تشبه روتيني اليومي، ينبغي أن نسمع كلمة الفصل من جهة محايدة، وإلا سيبقى الوضع مفتوحا على تبادل التهم والرد عليها، ويمكن توظيف ذلك سياسيا، والتلاعب بمشاعر المواطنين على مقربة من الانتخابات، بينما الأصل هو حماية المال العام من الأيدي التي لا تخاف الله ولا تخشى القانون.
صفقات يتم الحديث عنها تتعلق باستيراد نوع من المواد الطبية تم فيها اتهام الحكومة بـ”تضارب المصالح”. فجّر القضية نائب برلماني من حزب العدالة والتنمية وداخل البرلمان وأثناء مناقشة مشروع قانون المالية. يعني الأمر لم يعد حبيس الصالونات ولكنه قضية رأي عام. وعقد الحزب ندوة قدم فيها عبد الله بوانوو، منسق المجموعة النيابية، ما أسماه وثائق تدين الحكومة.
نحن صحافة ولسنا قضاء لنحكم.
في البرلمان تطالب المعارضة بلجنة لتقصي الحقائق في الملف، وهذا هو الدور الطبيعي للمعارضة، حتى تقوم بحماية التنافسية داخل البلاد، وبالتالي سوف ينصب عمل اللجنة على معرفة مكامن هذا “التضارب”، لكن في خضم ذلك يتم الحديث عن مخالفات قانونية في هذه الصفقات، فحبذا لو تحركت النيابة العامة للتحقيق في مخالفات القانون.
فالحكومة منتخبة وهي تمثل جهات سياسية تتجسد في الأحزاب الثلاثة المكونة للتحالف الحكومي، ويقودها حزب سياسي فاز في الانتخابات الماضية بالرتبة الأولى وبالتالي تمكن من قيادة تحالف الأغلبية، بينما يمثل حزب العدالة والتنمية جزءا من المعارضة، التي هي بدورها تطالب بلجنة تقصي الحقائق، بينما تكتفي الحكومة باقتراح لجنة استماع.
إذن المختلفون حول هذه الصفقات هم جهات سياسية متنافسة انتخابيا، وحتى نحسم الجدل لابد من جهة محايدة تقوم بدور الفصل عن طريق تحقيق موضوعي ومنصف، لأن استمرار توزيع الاتهامات من داخل المؤسسات الدستورية دون القدرة على البت فيها، سيكون عاملا مساعدا على ضرب مصداقية المؤسسات الدستورية، وسيرسخ أن البرلمان ليس مكانا للرقابة على العمل الحكومي وحماية المال العام، ولكنه مجرد مكان لتبادل الاتهامات.
فالمنطق يفرض أن تقوم جهة محايدة بالتحقيق في هذه التهم، وهناك جهات عديدة يخولها القانون ذلك، ثم تخرج بخلاصة تؤكد فيها تورط أعضاء الحكومة في هذه القضايا الموجهة إليهم، وبالتالي سقوطهم في تضارب المصالح وهو أمر ممنوع قانونا، وبالتالي يكون الوزير المعني قد ارتكب مخالفة قانونية ورئيس الحكومة قد تستر عليه، وإما أن تؤكد أن ما زعمه البرلمانيون المعارضون مجرد مزاعم وادعاءات.
فالصفقة موضوع “الشبهة” وحسب بوانوو مررها وزير الصحة في حكومة أخنوش لفائدة شركة في ملكية وزير آخر من الحكومة، وبالتالي يكون الأمر فيه تبادل منافع غير قانوني، لكن الوزير يقول إن الترخيص استثنائي من أجل ضمان استمرارية العلاجات.
من أجل الحسم في هذا الجدل يجب أن تقوم جهة محايدة مخولة قانونا للتحقيق في هذا الأمر وتخرج بنتيجة مقنعة للمواطن.







