نبهت هيئات نقابية وخبراء في الصحة، الى مخاطر رفع الحجر الصحي واستئناف العمل بالمقاولات و الأحياء الصناعية والوحدات التجارية، دون وضع دلائل واضحة للعمل بنظام الوقاية و الاحترازات الحمائية من فيروس كورونا، محذرين من ارتفاع الحالات المصابة بالبؤر الصناعية، وغياب التدابير الوقائية في التباعد الاجتماعي والتشديد على عمليات التعقيم.
ووصفت الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، ان القرار المتعلق باستئناف أنشطة المقاولات بعد عيد الفطر، ب” الإيجابي”، وطالبت في الوقت ذاته بتقديم رؤية مستقبلية شاملة ونسقية حول مرحلة رفع الحجر الصحي، مع إشراك النقابات في بلورة هذه الرؤية .
واعتبر يونس فيراشين عضو المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، ان استئناف المقاولات لأنشطتها مهم بالنسبة للقطاعات التي تضررت كما تضرر أجراؤها، لكن الشيء الأساس والأهم هو، هل هناك إلزامية لتطبيق شروط الصحة والسلامة المهنية داخل المقاولات.
وأضاف أن تصريح وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، محمد بنشعبون، بهذا الشأن، ” لم يتضمن رؤية حول كيفية تعاطي الحكومة مع مرحلة رفع الحجر الصحي، لا على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو الصحي”.
وتابع “ننتظر من الوزير أن يقدم رؤية شاملة ونسقية حول هذه المسألة، وحول إعادة إطلاق عجلة الاقتصاد برمتها، خاصة وأن قطاعات كثيرة تضررت، وتضرر عمالها، وتسبب ذلك في انعكاسات اجتماعية “.
وذكر المسؤول النقابي، بتسجيل بؤر وبائية مؤخرا على مستوى بعض الوحدات الإنتاجية الصناعية، بل هناك، كما قال، وحدات توقفت عن العمل ثم استأنفت نشاطها وظهرت فيها بؤر وبائية .. وتساءل في هذا السياق عن الضمانات الكفيلة بمرور عملية الاستئناف في ظروف لا تتسبب في موجة أخرى من انتشار الوباء ربما تكون أخطر ؟ وكان وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، قد دعا كل الفاعلين الاقتصاديين إلى استئناف أنشطة مقاولاتهم، مباشرة بعد أيام العيد، باستثناء تلك التي تم إيقافها بقرارات إدارية صادرة عن السلطات المختصة.
وكان وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة محمد بنشعبون قد وجه دعوة إلى المقاولات وكل الفاعلين الاقتصاديين لاستئناف أنشطة مقاولاتهم بعد العيد باستثناء تلك التي تم إيقافها بقرارات إدارية صادرة عن السلطات المختصة.
وطالب بنشعبون يوم التلاثاء الماضي في جلسة الأسئلة الشفوية الأسبوعية بمجلس المستشارين بمزيد” من التعبئة والانخراط من أجل توفير الظروف المواتية لبلورة خطة إنعاش الاقتصاد الوطني التي يعمل المغرب على تحديد دعائمها في إطار مشروع قانون مالي مُعَدِّل.
وترى نعيمة المدني، أستاذة علم الاجتماع والأنثروبولوجيا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية – القاضي عياض بمراكش”أن رفع الحجر لا يعني بالضرورة العودة مباشرة إلى الحياة العادية قبل تفشي الوباء”.
كما أن “رفع الحجر لن يشكل قطيعة مطلقة مع التدابير والتوصيات التي طبقها المجتمع المغربي خلال فترة الحجر”، خاصة ما يتعلق بالتباعد الاجتماعي، والنظافة، والتعقيم، واستعمال الكمامة، وكذا تقييد حركة التنقل.
و تقول أستاذة علم الاجتماع: “من الأفضل رفع الحجر بشكل تدريجي” و بالتالي ، “سيتم تجنب أي لبس من شأنه أن يتسبب في اضطراب أو ازدحام قد يؤدي إلى ظهور بؤر جديدة للوباء”.
ويمكن أن يتعلق هذا الرفع التدريجي بـ”مواقيت التنقل، وعودة بعض القطاعات إلى الاشتغال ، واستئناف الأنشطة الأساسية”.
و تضيف الخبيرة، “من الضروري مراعاة تباين الحالات الوبائية في الجهات”. ومن الضروري أن يتم “تكييف وتيرة رفع الحجر مع خصائص كل جهة”، مشيرة إلى أن “الأمر نفسه ينطبق على حركة التنقل داخل المدن وبينها”.
و دعت المدني إلى تنظيم حملة تحسيسية واسعة لكي “يواصل المواطنون العمل بالتدابير الوقائية اللازمة لتجنب العدوى بعد رفع الحجر”.
وأكدت أن “رجال السلطة بإمكانهم إنجاح هذه الحملة، نظرا للعلاقة المتميزة التي نسجوها مع المواطنين طوال فترة حالة الطوارئ الصحية”.
وقالت المدني إن “المغرب يتخذ قرارا حكيما بأخذه الوقت اللازم قبل رفع الحجر وتقييم تداعيات هذه الجائحة”.
ووصفت الأستاذة الجامعية التدابير الاستباقية التي اتخذتها المملكة لمواجهة كوفيد-19 بـ”التاريخية”، مشيرة إلى أن “رفع الحجر الصحي يجب أن يحافظ على المكتسبات المحققة.
ويرى مهدي عليوة، الباحث في علم الاجتماع وأستاذ بجامعة الرباط الدولبة ان “عملية رفع الحجر معقدة”، معتبرا أنه “ربما قد حان الوقت لتغيير التصورات وتعلم التعايش مع هذا الفيروس”.
“الفيروس سيستمر في الانتشار”. والحل برأيه هو “منعه من الانتشار بسرعة، لأنه بدون علاج وبدون مناعة جماعية ، لا يوجد حل آخر غير المكوث في المنازل”. رفع الحجر ونمط عيش المغاربة
و يقول الباحث في علم الاجتماع “إنها معادلة صعبة، خاصة وأن جزء كبيرا من نمط عيش المجتمع المغربي يقوم على التواصل الاجتماعي”.
وأضاف أن “الوضع أكثر تعقيدا بحكم أن العديد من المغاربة ما زالوا يعيشون في ظل عائلات مجتمعة في نفس المسكن”.
وبالتالي، فإن إصابة فرد واحد من العائلة بالفيروس يعني إمكانية انتقال العدوى إلى العديد من الأشخاص، وليس ثلاثة أو أربعة أشخاص فقط.
رفع الحجر والتباعد إذا كان رفع الحجر يعتمد على التباعد، فإن إرساء “التباعد الاجتماعي” أمر معقد للغاية. في الواقع، “لا يوجد مجتمع بدون اتصال اجتماعي”. “فالمجتمع يتكون من العلاقات الاجتماعية”. “إن مفهوم التباعد الاجتماعي هو مفهوم سخيف، وهو مفهوم لا يمكن العمل به. وقد تم الخلط بين التباعد البدني والتباعد الاجتماعي”.
“لذا سيتعين على الناس أن يتعلموا التعايش مع هذا التباعد، ولكن هناك مجموعة من المواقف حيث سيجد الأفراد أنفسهم بالضرورة جنبا إلى جنب، أو بأعداد كبيرة في نفس المكان”.
“لهذا السبب كان الحجر هو الخيار الأسهل: إذا لم يخرج الناس (من منازلهم)، ولم يتجولوا (في الشوارع)، لن يكون هناك أي احتكاك”. رفع الحجر والحركات الوقائية
بالنسبة للأستاذ الجامعي، إذا كان لابد من الخروج مرة أخرى لعيش حياة اجتماعية، “ينبغي تحسيس الناس بتجنب المصافحة ،والتقبيل، فضلا عن ارتداء الكمامات وغسل اليدين بانتظام”.
وفي المقابل، أكد أستاذ علم الاجتماع أن هذه التوصيات “حتى لو تم احترامها، لن تتمكن من الحد من التقارب داخل الحافلات أو الطرامواي أو سيارات الأجرة أو المقاولات أو في الأماكن العامة”، مضيفا أن “الاحتكاكات ستبقى دائما موجودة.