في خطوة تصعيدية غير مسبوقة، دخلت الهيئات النقابية والمهنية لقطاع الصحافة والنشر على خط المواجهة المفتوحة مع الحكومة، عقب مصادقة لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية بمجلس المستشارين على مشروع القانون المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، دون الأخذ بأي من التعديلات التي تقدمت بها فرق ومجموعات المعارضة.
وأعلنت خمس هيئات تمثيلية للقطاع، ضمن بيان مشترك صدر بالدار البيضاء، أن رفض وزير الشباب والثقافة والتواصل إدخال أي تعديل على مشروع القانون رقم 06.25 يشكل، بحسب توصيفها، “انتهاكا صارخا لدولة القانون وتحقيرا للمؤسسة التشريعية، وضربا للرأي الاستشاري للمؤسسات الدستورية”، في إشارة إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان.
الهيئات الموقعة، التي تضم النقابة الوطنية للصحافة المغربية، والفيدرالية المغربية لناشري الصحف، والجامعة الوطنية للإعلام والصحافة والاتصال التابعة للاتحاد المغربي للشغل، والنقابة الوطنية للإعلام والصحافة المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، إضافة إلى الكونفدرالية المغربية لناشري الصحف والإعلام الإلكتروني، اعتبرت أن ما جرى داخل لجنة المستشارين يعكس توجها سياسيا واضحا لإفراغ مؤسسة التنظيم الذاتي من مضمونها الديمقراطي، وتحويلها إلى إطار خاضع لمنطق التحكم والهيمنة.
ورأت الهيئات أن تصويت فرق الأغلبية الحكومية ضد جميع التعديلات، دون تقديم أي مقترحات بديلة، يشكل “إعلانا صريحا عن الانخراط في مخطط لإعادة هندسة قطاع الصحافة على أسس غير ديمقراطية”، معتبرة أن ذلك يستهدف جوهر التنظيم الذاتي القائم على الانتخاب، والاستقلالية، والتعددية، والعدالة التمثيلية بين الصحافيين والناشرين.
ولم تُخف الهيئات تخوفها من التداعيات السياسية والمؤسساتية لتمرير نص تصفه بـ”التراجعي”، معتبرة أنه جاء خارج روح الدستور، وخارج منطق الإشراك المهني، ومتعارضا مع فلسفة مدونة الصحافة والنشر، فضلا عن كونه يمس، بحسب البيان، بالأمن والسيادة الإعلامية، ويكرس منطق الريع والاحتكار داخل القطاع.
وفي تصعيد لافت، أعلنت الهيئات النقابية والمهنية عزمها الشروع في تنزيل برنامج احتجاجي وطني تصاعدي بشكل فوري وعاجل، موازاة مع إطلاق مسار ترافع دولي أمام المؤسسات القارية والدولية ذات الصلة بحرية التعبير وحرية الصحافة، وذلك بتنسيق مع منظمات حقوقية وهيئات مدنية وأحزاب سياسية ومركزيات نقابية داعمة.
ويأتي هذا التصعيد في سياق برلماني مشحون، بعدما صادقت لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية بمجلس المستشارين على مشروع القانون بأغلبية ضيقة (6 أصوات مقابل 5)، عقب رفض شامل لتعديلات تقدمت بها مكونات المعارضة، من بينها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والاتحاد المغربي للشغل، والفريق الاشتراكي، والفريق الحركي، والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب.
في المقابل، التزمت فرق الأغلبية، الممثلة في التجمع الوطني للأحرار، والأصالة والمعاصرة، والاستقلال، برفض التعديلات دون تقديم بدائل، ما زاد من حدة الانتقادات الموجهة للحكومة بشأن طريقة تدبير هذا الورش التشريعي الحساس.
وتبرز هذه التطورات أن مشروع إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة لم يعد مجرد نقاش تقني حول هندسة مؤسسة مهنية، بل تحول إلى مواجهة سياسية ومجتمعية مفتوحة، تضع مستقبل التنظيم الذاتي للصحافة، وحدود استقلاليته، في قلب اختبار ديمقراطي دقيق، ستكون له ارتدادات تتجاوز القطاع إلى صورة المغرب في مجال حرية التعبير وتعددية الإعلام.







