هل تمثل الصحافة فعلا السلطة الرابعة؟ هذا السؤال نطرحه على الصحافة التي كانت والتي ستكون ناهيك عن صحافة اليوم؟ وهل تخضع لمنطق السلط الثلاث: القضائية والتنفيذية والتشريعية؟ وهل فعلا يمكن أن تكون سلطة بهذا المعنى حتى لو تمتعت بأقسى أنواع الحرية؟
بعض الآراء تذهب إلى أن من سمى الصحافة “السلطة الرابعة” ينتمي إلى إحدى السلط الأخرى الثلاث وذلك بغية تجميلها كي يسهل استغلالها. وهكذا بما هي جميلة قد مارست الإغراء على منتسبيها كما مورس عليها التحرش من قبل مناوئيها، وخاضت معارك متفاوتة صمدت مرات وانهارت مرات.
لقد رُسمت للصحافة صورة مغرية جدا، وبهذه التسمية ظن البعض أنها سلطة أكبر من باقي السلط، أو أنها سلطة رقابة على الجميع، هذه الممارسة أخفت وتخفي أخطر سلطة تمارس ليس الرقابة على الجميع لكن التحكم في الجميع.
في مقال للكاتب الإسباني إيناس راموني صدر سنة 2003 وكان حديث الساعة، وقت صدوره، قال فيه “إن السلطة الحقيقية هي اليوم في أيدي مجموعات من تكتلات اقتصادية عالمية متنوعة، حيث إن وزنها في ميدان بعض الأعمال يبدو بعض المرات أكثر تأثيرا من الدول، في هذا الإطار حصل التحول الحاسم في ميدان وسائل الإعلام، وفي صلب بنيتها الصناعية، إذ أن وسائل الاتصال على تنوعها باتت ضمن تكتلات ضخمة تمتلك القدرة على التوسع نتيجة التحولات التكنولوجية، إن هذه الشركات لم تعد تهتم بأن تكون “سلطة رابعة”، ولا بأن تقوم بدور وسائل الإعلام المدني، أو تقف إلى جانب القوانين، أو تتصدى للخلل الاجتماعي في الأنظمة السياسية”.
لقد أطلق على سلطة المال “السلطة الحقيقية”. يعني أنها ليست بمستوى السلط الثلاث ولا بمستوى السلطة الرابعة، التي هي سلطة لكن لم يمارسها أصحابها، لكن مورست بهم وبواسطتهم. وإن كان يتحدث عن السيطرة على “سردية” الصراع دوليا، فإن هذا الأمر يمكن إسقاطه وطنيا، ليتبين أن سلطة المال أفسدت نمو الصحافة قبل أن يشتد عودها.
اليوم يجري التقعيد لهيمنة السلطة الخامسة، التي قلنا سابقا إنها هيمنت على سلطة الحكومة، المكونة من “تجمع المصالح الكبرى”، وهيمنت على سلطة التشريع. بوجود المصالح في يد الحكومة، التي تمثل تكتلا، أصبح المشرع (أي البرلماني) خاضعا لسلطة الحكم، بدل أن يكون رقيبا عليها ومتابعها لنشاطها وسلوكها وطريقتها في التدبير.
التحكم في المصالح جعل “تجمع المصالح الكبرى” يهيمن على التشريع وبواسطته تمت له الهيمنة على الباقي. فلأول في تاريخ التشريع للصحافة المغربية يتم قياس الفاعلية بـ”رقم المعاملات”، الذي لا يعني بتاتا أنه يوازي الفعل في الواقع بالنظر للتحكم في سوق الإشهار، الذي بواسطته يمكن ضخ أموال طائلة في مؤسسة لتصبح ناخبا منتفخا يحوز لوحده عشرات الأصوات.