تقرير صادم ذلك الصادر عن مجلس المنافسة بخصوص سوق الدواء بالمغرب. ورغم أن رأيه استشاري إلا أنه يبقى مؤسسة دستورية لا يمكن أن يبقى عملها مجرد أوراق تكتب وأموال تصرف، ولكن ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار وإلا لا شأنية لعمله نهائيا، فكيف يعقل أن يتم صرف الأموال الطائلة وتخصيص ميزانيات ووظائف لمجلس دستوري ورئاسة وتعويضات ومرتبات وغيرها، دون أن يكون لهذا العمل دور في تعديل وتغيير السياسات العامة في كثير من المجالات؟
قطاع الأدوية من أخطر المجالات في أي مجتمع لأنه يتعلق بصحة المواطن، التي هي صحة الوطن، وفي كل البلدان اليوم أصبحت الصحة ومنسوبها ومستواها معيارا للتقدم والتخلف، ولا تقدم دون مجتمع سليم ومعافى من الأمراض والأوجاع، وبالتالي فإن السياسة الدوائية ينبغي أن تكون اجتماعية وطنية، وهناك قطاعات أخرى أكثر ربحية فليتركوا هذا المجال للرأسمال العمومي أو الوطني.
مؤسسة رسمية تقول بأن الإطار القانوني للسياسة الدوائية بالمغرب غير ملائم وأصبح متجاوزا. أهم قطاع في البلاد يسير بقانون أكل الدهر عليه وشرب، ونشتكي يوميا من ضعف الطريقة العلاجية بالمغرب وغياب الأدوية واختفاؤها أحيانا كثيرة وغلاؤها في أغلب الأحيان.
وسجل المجلس أن سوق الدواء مطبوع بسياسة غير منسجمة، وفي الواقع إن مجرد إدخال الدواء إلى محيط السوق هو إخراج له من السياسة الدوائية إلى السياسة التجارية الربحية، وهو المكجال الذي ينبغي أن يكون في متناول كل مواطن، فقد أستغني عن كثير من الحاجيات الاستهلاكية، التي لا ضرورة لها، ولكن لا يمكن الاستغناء عن الدواء لهذا ينبغي أن يكون في متناول كل واحد.
المجلس أثار قضية خطيرة، غير موجودة في بلاد الله الواسعة، هي أن الأدوية الأصلية هي التي تهيمن على السوق، وهي مرتفعة الثمن، بينما الأدوية الجنسية ضعيفة جدا وهي المنخفضة السعر، رغم أن مفعولها مهم ولا يمكن فهم محاربتها إلا بوجود لوبيات لا يهمها سوى الربح.
وهنا ندخل إلى الأمر الصحيح كما يقال. من المسؤول عن هذا الأمر؟ من يقايض صحة المواطنين بالمال؟ من يجعل من المرض وسيلة للاغتناء غير المشروع؟
عند البحث الدقيق تعثر على خيط رابط يصنع لوبي بين الوزارة والمختبرات المصنعة للأدوية، يحتم الإبقاء على هيمنة الأدوية الأصلية مرتفعة الثمن، والوزارة تتحمل القسط الأوفر من خلال مديرية الأدوية، وبالتالي ينبغي مساءلة سياسة الصفقات بالوزارة وإخضاعها لمعيار الشفافية.
الخيط الثاني الذي ينبغي الإمساك هو لوبي المختبرات والصيادلة، فكلاهما ترتفع أرباحه كلما ارتفعت أسعار الأدوية، خصوصا وأنه يحصل على نسب مهمة من مبالغ المبيعات، وهنا يأتي دور لوبي الأطباء والصيادلة، حيث يتم تعيين أدوية أصلية في الوصفات الطبية، قصد بيع الدواء الغالي الذي تكون نسبة الربح فيه مرتفعة، رغم أن مكونات الدواء هي نفسها ومفعوله هو هو نفسه.