محمد عفري
تتشبث وزارة الصحة بالقول إن الحالة الوبائية بالمغرب متحكم فيها إلى حد السيطرة ، على الرغم من الارتفاع المخيف في عدد المصابين بالعدوى الذي عشنا على إيقاعه في الأيام الأخيرة . كانت سابقة رقمية قياسية أن يسجل المغرب نهاية الأسبوع الأخير أكثر من خمسمائة إصابة بالعدوى خلال أقل من أربع وعشرين ساعة. رقم لم يتم تسجيله أثناء ذروة اجتياح الوباء خلال أبريل الأخير، حين كان كورونا المستجد يفتك بالمئات في الدول القريبة بالشمال وتصيب عدواه الآلاف يوميا.
مع اكتشاف البؤرة الصناعية – المهنية في مدينة آسفي التي كانت سببا في ارتفاع عدد المصابين وفي اتخاذ السلطات أسرع التدابير الصارمة بإغلاق مداخل ومخارج مدينة ” السردين”، تسرب الشك إلى نفوس جل المغاربة حيال الحالة الوبائية ، بعدما ظل اليقين هو نجاح الآليات المغربية في صد مواجهة أخطر الفيروسات في الكون . هناك من ذهب إلى أن السلطات المختصة استسلمت ورفعت الراية البيضاء أمام البؤر الوبائية التي تظهر من حين إلى آخر في الشمال كما في الوسط والجنوب..هناك أيضا من ذهب إلى أن الحكومة لم تجد الوصفة الوقائية لوقف النزيف ، فبالأحرى أن تجد الوصفة العلاجية .
بين الموقفين ،ظل المسؤولون والأخصائيون يعزفون مقطوعة غنائية متناغمة ، مفادها أنه على الرغم من ارتفاع عدد الإصابات فالوضع متحكم فيه والحالة الوبائية تحت السيطرة ، فلا داعي للخوف.
إذا كان ” المنطق” لدى هؤلاء الأخصائيين والمسؤولين أنه مع ارتفاع عدد الكشوفات المخبرية لدى المخالطين ولدى المغاربة الذين كانوا عالقين بدول المهجر ولدى الذين تشملهم المتابعة الوبائية ، فمن الطبيعي أن يرتفع عدد المصابين ، إلا أن الذي ليس طبيعيا هو أن البؤر المهنية والصناعية التي لا دخل للكشوفات المخبرية في رصدها ، تؤكد أن الاستهانة بالفيروس الفتاك والاستصغار به لدى بعض الأفراد والجماعات من عمال و أرباب مصانع إنتاجية تدعوان إلى ضرورة صرامة كل السلطات في فرض الالتزام بتدابير الوقاية الصحية من ألفها إلى يائها قبل فوات الأوان . إذ لا يمكن لارتفاع عدد المصابين بفيروس “كورونا” المستجد أن يدفعنا إلى توقيف عجلة الحياة العادية التي عادت للتو ، بل يفرض علينا إعادة النظر في العديد من السلوكات وفي عدد من التقاليد والقيم الثقافية.
لا يختلف اثنان في أن فرض الحجر الصحي في وقته المناسب وتطبيقه على أكمل وجه شكلا آلية ناجحة في الصد والمواجهة والخروج بأقل الأضرار مقارنة بباقي الدول . لقد أعطت السلطات المغربية، في بداية اجتياح الفيروس الأولوية لصحة المواطنين بفرض هذا الحجر، لكن ، ومن أجل إنقاذ الحياة الاقتصادية من الانهيار ، كان لابد من العودة إلى الحياة الطبيعية بحيطة وحذر شديدين في مرحلة جد حاسمة ، يتحمل فيها المواطن مسؤوليته الكبرى في التعايش مع الفيروس وفي التعامل الإيجابي لصده ومواجهته.
فالمسؤولية الفردية والجماعية أصبحت مفروضة، وعلى المواطنين تحملها، من خلال الالتزام التام بالإجراءات الاحترازية، سواء عبر التقيد بكل شروط النظافة والتعقيم أو بارتداء الأقنعة الواقية،أوبالتباعد الاجتماعي، أوبتجنب الاكتظاظ.
بالقدر الذي لا يساورنا أدنى شك في تحكم السلطات المغربية وفي مقدمتها السلطات الصحية ، في الحالة الوبائية ، يخيم الخوف من ضياع الجهود الكبيرة للمغرب ، في مواجهة جائحة “كورونا” لقرابة أربعة أشهر خلت ، بما أن خطر كورونا المستجد لازال قائما بيننا ، وبما أن إرهاصات موجة ثانية لاجتياحه العالم تلوح في الأفق، بحسب توقعات المنظمة العالمية للصحة .
أما استمرار عدد الإصابات بالعدوى في التصاعد،لا قدر الله ،فمن شأنه خلق الضغط على المستشفيات خاصة في المدن الكبرى، والتأثير سلبا على الخدمات الطبية الموجهة لباقي الأمراض الأخرى..