حاوره محمد عفري :3/2
في حديثه “إلى النهار المغربية” ، فتح مراد الخودي مخرج مسلسل “قضية العمر” الذي شد إليه الملايين من مشاهدي القناة الأولى علبة أسرار نجاح هذه الدراما والمعيقات التي لاقتها.
صاحب “فورماطاج ” و”جنب البحر ” و”حياة بريئة ” و “12 ساعة ” وأبواب السماء ” ومسلسلات “لا عليك” و “هي” و”قضية العمر” ؛ الفنان التشكيلي و السيناريست والمخرج الخودي شرح جسد العلاقة الباردة بين الدراما وبعض الإدارات المغربية و أسرار أخرى نكتشفها في الحوار الشيق التالي ..
*****
*هذا يتعلق بحوافز نجاح “قضية العمر ” وأطواره ، ماذا عن معيقات هذا المسلسل؟
# ” قضية العمر ” رصدت له ميزانية مهمة ومحترمة ولائقة جدا لتقديم مسلسل مغربي ناجح .
بكل صراحة ؛ لم يعد هناك عموما أدنى تقصير من الجانب المادي تجاه الإبداعات الدرامية المغربية ، كما لم يعد مسموحا بتعليق أدنى فشل إبداعي على المال.
لكن الفرصة مواتية لنكون صادقين مع ذواتنا ومع واقعنا عامة ؛ لنؤكد أن المعيقات الحقيقية التي مازالت تعترضنا كمبدعين هي معيقات إدارية صرف . فمشكلتنا هي مشكلة الإدارة المغربية في تعاملها مع الإبداع عامة ومع الدراما بالخصوص ، سواء تعلق الأمر بتسريع الوثائر أو بتسهيل ولوج الفنان المبدع ومشاريعه إلى المرافق الإدارية للاشتغال فيها وعليها والاستفادة منها ؛ خصوصا ما تعلق بالديكور .
ففي الوقت الذي كان من المفروض على الإدارة المغربية مساعدة الإنتاج دون تضييق عليه ؛ عشنا أثناء هذا العمل الدرامي مراحل عصيبة ، فيها اصطدام بواقع لا يصدق ؛ ضد الاستفادة من ديكورات واقعية لمرافق إدارية كانت ستسهل مأمورية منظومة الإنتاج بكاملها ، وتمنح المنتوج الدرامي المغربي نكهة واقعية معيشة .
*هل هذا يعني أن مشاهد من”قضية العمر “لم تصور داخل الإدارة المغربية كالمؤسسة السجنية مثلا؟
#تماما ! نحن لم نصور ولو لقطة واحدة داخل أي مؤسسة من المؤسسات السجنية مثلا ؛ فبالأحرى أن نصور مشهدا ؛ وهذا واحد من المعيقات الحقيقية التي واجهتها دراما “قضية العمر ” .
حدث كل هذا الإجحاف وعصب السيناريو ؛ السجين البريء ، أوالقضية الرئيسية(با العربي ) التي تتفرع عنها باقي أحداث المسلسل ، يوجد داخل السجن .
لوتوفرت إمكانية القدرة على التصوير داخل سجن حقيقي لكانت مفاهيم مغايرة بلغت بالصورة الراقية إلى المتلقي ولاختزلنا أيضا الكثير من الوقت ووفرنا العديد من الإمكانيات.. من المنطقي منح نص السيناريو إلى إدارة السجون كإجراء إداري لللاطلاع عليه وانتظار الترخيص ، لكن ؛ لاشيء من هذا كان ، لأننا كنا على علم مسبق بمصير الطلب.
باختصار ، المشكل هو أن الإدارات المغربية لديها تخوف كبير من التصوير ، وربما أن المسؤول الإداري يرى في الدراما المغريية كاشفا خطيرا عن خبايا وحقائق إدارته ، لذلك يواجه طلبك بالرفض .
*ما هي الإدارات العمومية التي وقفت في وجه التصوير من داخلها ؟
#أنا هنا لا أعمم ؛ لكن ؛ إدارة السجون مثلا والأمن الوطني نمودجان . فأمام هكذا وضع ؛ تجد نفسك مجبرا على صناعة ديكورات متعلقة بدائرة أمنية أو بمؤسسة سجنية أوزنزانة أوغيرها. فالسجن كما هو صور ومشاهد وأحداث في “قضية العمر ” ليس إلا ديكورا تمت صناعته وإعداده بمقر التلفزة المغربية باستوديوهات عين الشق ، الشيء الذي استهلك من ميزانية المسلسل حصة كبيرة ، كان من الممكن استغلالها في إضافات تقنية ، في الوقت الذي يوجد عدد كبير من المؤسسات السجنية بالمغرب ، ومنها ما هو مغلق ، يمكن استعمال مرافق منها كديكور للإبداع وفق السيناريو ..
مع كل ذلك ، وبما أن التعميم غير ممكن ، فوزارة الصحة مثلا ، كان ترحيبها كبيرا بملف دراما ” قضية العمر ” .. فبعدما قرأت النص وأحداثه ، أقتنعت فأشرت على الترخيص.
للدفاع عن هذا المسلسل حينما كان مشروعا ، كلنا كمنظومة إنتاجية ، كنا نقول ” قضية العمر” عمل مغربي ، مدعم من التلفزيون المغربي ، موجه إلى الجمهور المغربي ، لذلك لا يمكن للإدارات المغربية إلا أن توافق على المساهمة فيه معنويا كمنتوج وطني ، بالموافقة على تصوير مشاهد منه في مرافقها ؛ لم لا والتلفزيون المغربي وافق عليه والمركز السينمائي بدوره قرأ السيناريو ورخص له بالبنط العريض ..
لا أحد يجادلني في أن التصوير في المكان الحقيقي الخاص بالمشهد ، كان طبيعة أوفضاء أو مؤسسة إدارية عمومية أو خاصة لن يزيد العمل الدرامي إلا مصداقية ، كما لن يزيد لهذا المكان إلا قربا واكتشافا من المتلقي ،أما أن تواجه المعاناة لصناعة ديكور يتعلق بدائرة أمنية أوملحقة إدارية مثلا ؛ فذلك قمة المعيقات . عدا ذلك من باقي المؤثرات الطبيعية التي تدخل في الطقس كالشتاء والحرارة والبرد الشديد والعواصف أو غيرها من الطوارئ كما هو الشأن بالنسبة لوباء كورونا المستجد و حالة الطوارئ الصحية المرتبطة به ؛ فتلك كلها معيقات طبيعية نخبر جيدا التعامل معها ومواجهتها ، وسلاحنا في المواجهة هو حبنا للمهنة الذي يمكننا من التغلب عليها..
* الوقت الوفير سيف ذو حدين للعمل الدرامي في بعض الأحيان ألم تكن طول مدة إنجاز قضية العمر في حد ذاتها عائق ؟
# كلا ؛ بالعكس ؛ وإن كنت تقصد المعيقات التقنية ؛ إلا أن الوقت الكافي رغم أنه ساعد على أن ينضج هذا العمل على نار هادئة ؛فهذا لا يعفي من الاعتراف بأن مدة التصوير الطويلة الممتدة إلى خمسة أشهر كادت أن تشكل أحد المعيقات لولا نباهة طاقم الإخراج. هنا لابد من إعطاء مثالا بسيطا ، سيلاحظ المشاهد أننا سجلنا مشهدا في إحدى الغرف بتاريخ معين هو البداية ، فيما سجلنا مشهد الخروج من هذه الغرفة بعد خمسة أشهر.. لذلك كان الإصرار على أن يكون العمل برمته مكتوبا بطريقة جيدة و”مخدوما ” تقنيا بكل ما في الكلمة من معنى ، ولذلك أيضا لم يثبت على” قضية العمر” ولو انتقاد واحد في إطار ما يعرف بالأخطاء التقنية ؛ رغم أن المساحة الزمنية التي اشتغلنا عليها كانت طويلة (5أشهر) ،حيث كان من الممكن للمشخص أن يخرج بلباس ويدخل بلباس آخر أو يدخل بحالة معينة ويخرج بأخرى ؛ هنا الفضل يرجع لمرحلة الاستعدادات التي كلما كانت مضبوطة كلما كان النجاح ..
*كيف تفسر جمع التأليف بالإخراج الذي فرض نفسه مؤخرا ؟ هل كان لابد من أن تكون مخرج “قضية العمر” وفي نفس الوقت مؤلف نصها الدرامي ؟
#أتكلم عن نفسي. شخصيا أنا مخرج ومؤلف ، لكني لست مخرجا ولجت محترف الكتابة ؛كلا !
منذ ما يفوق العشرين سنة وأنا أزاول مهنة التأليف والإخراج . أظن أنه عندما تكون مخرج عمل ما ومؤلفه والمشرف عليه في وقت واحد ؛ فأنت تدوب هامش الشك الذي يمكن أن يساورك بشأن تحقيق النجاح في ما تكتب. بمعنى آخر أنني كتبت سيناريوهات عديدة وتقديري أن يتم تصويرها لأراها ويشاهدها المتلقي بشكل من الأشكال كما تصورت ، لكنني تفاجأت عند مشاهدتها على الشاشة بعيدة كل البعد عما كنت أقصد وأقدر . لتفادي هكذا مفاجآت أنت مجبر على أن تعمل مع مخرج يظبط معك آليات الإخراج ويقدر محتوى ما تكتب ويحس به ويفهم حيثياته.
في خلاصة ؛ عندما يكون المخرج هو كاتب السيناريو تربط بينهما منذ البداية حميمية لا تقل في وثاقتها حميمية حبل السرة بين الأم وجنينها ، تتطور إلى عاطفة تتواصل بينهما ، إلى أن يخرج مولودا (عملا ) كاملا متكاملا إلى المشاهد . لذلك يعتبر المخرج السيناريو الذي كتب ؛ مولوده ، الذي من الطبيعي أن يكد ويجد في إيلاء فائق العناية إليه . فلاغرابة في أن “يربي عليه الكبدة ” كما نقول بلغتنا العامية . ينافح عليه في كل أطوار تصويره كما نافح عليه في أطوار كتابته ؛ إذ لا يتنازل قيد أنملة للمسؤول عن الإنتاج في توفير ما يمكن توفيره من ديكور معين مثلا ، ولا يسمح بتصوير لقطة في ظرف ساعة أو ساعتين بينما هي تتطلب وقت أطول يصل إلى يومين من التصوير كمثال آخر .
المخرج حينما يكون في طور الكتابة بمعية المؤلفين ، فإنه في إطار العاطفة التي تربط بين الكتاب والسيناريو يختار الأجواء الملائمة لتقديم تقني لهذا العمل ، بمعنى أن الكتابة تصبح بحمولة تقنية يمكن معها لكل من اطلع على نسخة من السيناريو أن يجد فيها رؤية إخراجية من أول وهلة ، حيث يكون بإمكانه كما بإمكان المشخصين لمجرد قراءة مشهد معين تظهر له الصورة وتتضح له الحركة الواجب فعلها ؛ وهذا ما أسميه أنا ( Shooting Scripte ) أو السيناريو المصور ، أي هذا ما اعتمدناه بدرجة عالية في دراما ” قضية العمر”.
فالسيناريو المصور كتقنية خارقة يمكن السيناريست – المخرج من توظيف آليات الكتابة التصويرية وآليات الدراما في وقت واحد ، وبالتالي يجعله أكثر دراية بكيفية التعامل مع المشخصين في شخصياتهم ، وينتج عملا أكثر عمقا ، بعيدا عن السطحية بشكل يجعل المشخصين وباقي الأطقم في تفاهم كبير، وفي ثقة كبيرة مما يراهن عليه المخرج .
فمن السيناريو تكون جميع الأعمال مضبوطة وبين يدي المخرج و تحت تصرفه.