كشف التقرير السنوي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية عن حصيلة مفصلة لأداء المحاكم المغربية خلال سنة 2024، مبرزا تحسناً ملموساً في مؤشرات تصفية القضايا، وتطورا في معالجة الملفات التأديبية الخاصة بالقضاة، إلى جانب تسجيل ارتفاع لافت في حالات الطلاق الاتفاقي بالمملكة.
وفقاً للتقرير، أنجزت المفتشية العامة للشؤون القضائية خلال سنة 2024 ما مجموعه 683 تقريراً تتعلق بإخلالات مهنية أو سلوكية، شملت 1324 قاضياً وقاضية. وبناءً على هذه التقارير، تم اتخاذ قرارات متعددة؛ من بينها تعيين مقرر في حق 168 قاضياً، والحفظ في حق 998 قاضياً، في حين تم الحفظ مع لفت الانتباه في حق 46 قاضياً، ولفت الانتباه مع الإخضاع لدورة تكوينية في حق 91 قاضياً. كما تمت الموافقة على تقدير الثروة في حق 12 قاضياً، وتعميق البحث مع 8 قضاة، بينما لم تتم الموافقة على تقدير الثروة في حق قاضٍ واحد.
وأوضح المجلس أن ارتفاع عدد القضاة الذين عرضت وضعياتهم على أنظاره لا يعزى إلى زيادة المخالفات، وإنما إلى جاهزية الأبحاث السابقة وتسريع وتيرة اشتغال المفتشية العامة، إلى جانب تفرغ لجنة التأديب لدراسة الملفات المؤجلة.
وخلال السنة ذاتها، أحال الرئيس المنتدب للمجلس عدداً من التقارير على لجنة التأديب، التي قررت إحالة 70 قاضياً على المجلس التأديبي، وحفظ الملفات في حق 21 قاضياً.
وبعد دراسة الملفات، بتّ المجلس في 44 ملفاً تأديبياً يهم 65 قاضياً، حيث تم اتخاذ قرارات متنوعة: العزل في حق 3 قضاة، والإحالة على التقاعد الحتمي في حق قاضٍ واحد، والإقصاء المؤقت مع الحرمان من الأجر في حق 9 قضاة، والإنذار والتوبيخ في حق 10 قضاة لكل منهما، بينما تمت تبرئة قاضيين، وتأجيل البت في 5 ملفات، وعدم المؤاخذة مع لفت الانتباه لـ 10 قضاة، وعدم المؤاخذة دون ملاحظات لـ 11 قاضياً.
وفي المجموع، بلغ عدد القضاة الذين تمت مؤاخذتهم خلال 2024 35 قاضياً، منهم 24 بسبب إخلال بالواجب المهني، و9 بسبب إخلال بالواجب الأخلاقي، وقاضيان أخلّا بالشرف والوقار والكرامة أو فشلا في تبرير الثروة.
و سجل التقرير أن 5 ملايين و52 ألفاً و86 قضية راجت بمحاكم المملكة خلال سنة 2024، من بينها 4 ملايين و330 ألفاً و994 قضية جديدة، بينما بلغ عدد القضايا المحكومة 4 ملايين و466 ألفاً و727 قضية.
وحقق الجهاز القضائي، وفق التقرير، نسبة تصفية استثنائية بلغت 103% من مجموع القضايا المسجلة، في حين بلغت نسبة القضايا المحكومة من القضايا الرائجة 88%، وهي معدلات غير مسبوقة في تاريخ القضاء المغربي الحديث.
ويعزو التقرير هذه النتائج إلى تحسين التدبير القضائي وتسريع وتيرة البت في الملفات، مما يعكس نجاعة الأداء وفعالية الإدارة القضائية.
وشهد عدد القضايا الجديدة المسجلة انخفاضاً ملحوظاً بأكثر من 331 ألف قضية مقارنة مع سنة 2023، مع تسجيل المحاكم الابتدائية ذات الولاية العامة للحصة الأكبر من الملفات، حيث بلغ عدد القضايا الجديدة فيها 3.695.441 قضية، فيما تجاوز عدد القضايا المحكومة بها 3.812.353 قضية.
ونتيجة لهذه الوتيرة المتقدمة في تصفية الملفات، انخفض حجم القضايا غير المحكومة بنسبة 20%، من 721.092 قضية سنة 2023 إلى 577.851 قضية في نهاية 2024. كما تراجع مؤشر المدة الزمنية اللازمة لتصفية المخلف من 73 يوماً سنة 2021 إلى 47 يوماً فقط سنة 2024، وهو أفضل معدل يسجله القضاء المغربي في السنوات الأخيرة.
وفي جانب القضايا الأسرية، أشار التقرير إلى أن محاكم المملكة نظرت خلال سنة 2024 في 178 ألفاً و290 قضية طلاق وتطليق، بمعدل 488 حالة يومياً، منها 134.683 ملف تطليق و43.607 ملفات طلاق، بينما بلغ عدد الملفات المحكومة 150.263 ملفاً.
وسجلت المحاكم 40212 قضية طلاق جديدة و107.681 قضية تطليق خلال العام ذاته.
وتُظهر الأرقام أن الطلاق الاتفاقي يستأثر بحصة الأسد بنسبة تفوق 96% من مجموع حالات الطلاق، متبوعاً بالطلاق قبل البناء بنسبة 3%، فيما لا تتجاوز نسب الطلاق الرجعي أو بالخلع أو المملك 1% لكل منها.
ويرى المجلس أن هذه الأرقام تعكس تحولاً مجتمعياً في تدبير الخلافات الزوجية، حيث أصبح الأزواج يفضلون إنهاء العلاقة الزوجية بشكل ودي حفاظاً على مصلحة الأبناء واستقرار العلاقات الأسرية.
أما في قضايا التطليق، فقد تصدّر التطليق للشقاق القائمة بنسبة 97.42%، متبوعاً بالتطليق للغيبة أو الضرر أو عدم الإنفاق بنسب تقل عن 1%، ما يجعلها حالات نادرة مقارنة بانتشار الشقاق.
ويربط التقرير بين تفضيل الأزواج لمسطرة التطليق بدل الطلاق بعدة اعتبارات، من بينها المرونة الإجرائية في التبليغ، خصوصاً في التطليق للشقاق الذي لا يتطلب التوصل الشخصي، عكس مسطرة الطلاق التي تفرض حضور الزوجة أو إشعارها الشخصي.
كما يتيح الفصل 212 من قانون المسطرة المدنية للزوج الراغب في التطليق حرية اختيار المحكمة المختصة بين مكان بيت الزوجية أو موطن الزوجة أو مكان إبرام العقد، في حين يحدّ الفصل 79 من مدونة الأسرة من هذه الخيارات في حالة الطلاق.
ويخلص التقرير السنوي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى أن سنة 2024 شكلت منعطفاً إيجابياً في مسار العدالة المغربية، سواء من حيث الشفافية والانضباط المهني داخل الجسم القضائي، أو من حيث الفعالية في تصريف القضايا وتحسين الخدمات العدلية، مؤكداً أن النتائج المحققة تؤسس لمرحلة جديدة من النجاعة وجودة الأداء القضائي في المغرب.