خطورة الفاعل الافتراضي هو عدم المسؤولية وانعدامها أحيانا. يمكن أن تنشر شائعة أو خبرا زائفا على صفحات بالفيسبوك وتذهب إلى المطبخ لتهييء وجبة الفطور، وتعود فتجد أن الآلاف المؤلفة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي نقلتها وبنت عليها موقفا، والمؤسف للغاية أن كثيرا ممن يسمون فاعلين بالفيسبوك أو “مؤثرين” يساهمون في موجة التزييف.
عشرات المواقف التي اتخذها رواد مواقع التواصل الاجتماعي تم بناؤها على أخبار زائفة. نموذج بسيط فقط لنبين من خلاله كم أصبحت المعرفة خفيفة مثل ريش الدجاج أو أقل خفة. نشر فيسبوكيون أن سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، قرر دعم مؤسسات التعليم الخصوصي. فقامت القيامة في الفيسبوك ليس فقط من قبل الذين لا يميزون بين الأمور ولكن من قبل مؤثرين، وربما وجدها المؤثرون فرصة لزيادة المعجبين، ومن قبل فاعلين جمعويين فضلوا هذه الفضاءات لتمرير مواقف.
تبين فيما بعد أن الخبر غير صحيح، وفق ما نشر مستشار للعثماني على صفحته بالفيسبوك، واعتبر كثير من المؤثرين أن هذا استهزاء بالمواطنين لأن البيان ينبغي أن يصدر من رئاسة الحكومة، وتبين أيضا مدى خفة عقول المؤثرين ومن يتبعهم، لأن الحكومة إذا قررت الرد على كل ما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي من إشاعات لتفرغت لذلك وحده نظرا لكثرته.
هذا لا يعني أن رئاسة الحكومة لا ينبغي أن تتفاعل مع المجتمع، ولكن لا نطلب منها التفرغ للرد على الفياسبكة، وكثير مما ينشر مجرد أخبار زائفة، دون أن ننتقص من دور مواقع التواصل الاجتماعي في التأثير، قد يكون لها دور جد إيجابي في كثير من القضايا.
للأسف تقرأ لفاعلين ومؤثرين في الفيسبوك عبارات مريبة وتدل على أن ما سمعته الأذن وقرأته العين يمكن توظيفه في حملة من الحملات، مما يدل على أن المؤثرين ليس هدفهم خدمة الحقيقة ولكن جمع عدد كبير من المتابعين. يكتب فاعل فيسبوكي ومؤثر: لو صح ما قيل عن كذا وكذا فإن الأمر خطير ويتطلب كذا وكذا موقفا وفعلا ومواجهة وسلوكا.
أول عمل ينبغي أن يقوم به الفاعل والمؤثر هو استعارة بعض أدوات الصحفيين، وعلى رأسها السؤال عن مصدر الخبر ومساءلة المعنيين به والبحث عنه من مصدر آخر حتى يكون الخبر صحيحا وحينها يمكن بناء موقف على أساسه، ومن غرائب الزمن، أننا في الوقت الذي نطلب من المؤثر التدقيق في صحة المعلومة أصبحت بعض وسائل الإعلام تنقل أخبارها من الفيسبوك، وهو مجرد سوق عشوائي للأخبار فيه الصحيح وفيها الزائف وما أكثره.
هذا الأمر يجعل أمر تطوير ودعم الصحافة الجادة ملحا، لأنها وحدها القادرة على مواجهة الفايك نيوز، في وقت لا يتورع فيه بعض الفاعلين من نشر أي شيء في مواقع التواصل الاجتماعي، بينما الصحافة يتوفر فيها نوع من المعقول وحد أدنى من المصداقية، ومهما تكن التشريعات المقبلة لضبط فوضى التواصل الاجتماعي فإن غياب الصحافة الجادة سيكون عاملا على انتشار التفاهة.