قال سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، إن المرحلة المقبلة، اي ما بعد جائحة فيروس كورونا المستجد، سيتم بشكل ثلاثي بين الحكومة والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، يقصد الباطرونا والنقابات، وهذا إعلان واضح من رئيس الحكومة أنه قام بالتدبير الانفرادي لملف الجائحة، وهو ما يؤكد مرة أخرى أنها حكومة التدبير اليومي ولا تتوفر على أية رؤية استراتيجية.
الحكومة العاقلة هي التي تنظر للمستقبل بتصور واضح، وهي التي تفكر في الغد بموازاة تدبيرها للأزمة، ولو توقف الناس عند الأزمات، لانتهت الحياة إلى موت طبيعي للمجتمعات، لكن الدول تحول الأزمات إلى فرص للانطلاق من جديد، ولا ندري هل يفكر العثماني في استثمار ما أنجزه المغاربة في المجال الصناعي في المستقبل، حتى يتم التخلي عن استيراد الكثير من البضائع التي لا حاجة لجلبها مما قد يوفر على المغرب ملايير الدولارات التي نستورد بها أمورا نحن قادرون على تصنيعها.
ومن باب الميزان لا تميل كفته إلا عن ظلم، نقول إن الأمور لم تمش كلها بمنطق العثماني، حيث تم تكوين لجنة اليقظة الاقتصادية بأوامر ملكية، وذلك قصد معالجة الآثار السلبية للجائحة سواء الاقتصادية أو الاجتماعية، وحتى تكون اللجنة عملية وواقعية أجلالته بإنشاء صندوق مواجهة فيروس كوفيد 19، وهو الصندوق الذي تم دعمه من قبل الشركات والمؤسسات والأشخاص ورجال الأعمال والمواطنين البسطاء، الذين ساهموا بعشرة دراهم.
هذا الصندوق أنقذ الوضع حيث مكّن من تدبير الشأن العلاجي، وتطعيم البنيات الصحية وتأسيس أخرى مؤقتة، كما مكّن من جهة أخرى من دعم العمال المتوقفين عن العمل اضطرارا، نتيجة فرض قانون الطوارئ الصحية، كما دعّم مئات الآلاف من الأسر التي انقطع رزقها نتيجة الظروف الصحية ولا تتوفر على الضمان الاجتماعي، وتمت معالجة ملفات الحاملين لبطاقة راميد تم لغير المسجلين أصلا في الضمان الصحي.
لكن لجنة اليقظة الاقتصادية هي لجنة مختصة بتدبير الآثار الاقتصادية والاجتماعية للجائحة، بينما الحكومة قد عطلت الآليات الطبيعية للتدبير الجماعي للوضع، وما سيترتب عنه من وضع جديد.
الحكومة قررت عودة الشركات والمقاولات إلى استئناف نشاطها الطبيعي، واكتفت بدعوتها إلى اتخاذ التدابير الاحترازية، ولم تقم بحملة الفحص عن فيروس كورونا إلا بعد تدخل جلالة الملك. أما الوزيران، العلمي وأمكراز، فلم يفكرا سوى في الشركات الكبرى، بينما 90 في المائة من الحركة الاقتصادية هي من المقاولات والصغرى والمتوسطة، التي لم يتم التفكير في مصيرها ولا مصير من يعمل بها، كما أن الحكومة ما زالت لحد الآن تلتزم الصمت بخصوص الدعم خلال شهر يوليوز خصوصا وأن العديد من المقاولات لم تعد بعد لنشاطها، وكي تتخلص الحكومة من صداعها أمرت بفتح أبوابها، مثل المقاهي، التي تهش على الذباب.
التفكير الاستراتيجي له معنى وقيمة ومغزى. لما أمر جلالة الملك بتجميع المصابين بكورونا في وحدتين صحيتين، فذلك من أجل معالجة ظاهرة خطيرة تسببت فيها الحكومة، التي خصصت كل أدوات العلاجية لكورونا بينما نسيت باقي المرضى، وإذا أحصينا الذين ماتوا بأمراض غير كورونا نتيجة عدم وجود العلاج سنكون أمام المفاجأة.
كل ما وقعت فيه الحكومة هو ناتج عن التدبير الانفرادي لزمن الجائحة، بينما الأزمات هي مدخل للعمل الجماعي في كل الأمم إلا عند حكومتنا المنفردة والمتفردة في صيغتها وعملها.