أحدث مشروع القانون رقم 46.19، المتعلق بـ”الهيئة والوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها”، الذي صادق عليه مجلس الحكومة في 11 يونيوالجاري، وظيفة جديدة أطلق عليها “المأمور” أو “المأمورين”، وهي صفة أطلقت على المحققين الذين أنيطت بهم لأول مرة إجراء تحريات ودخول المقرات الخاصة والعامة وإنجاز محاضر ذات صبغة قانونية بخصوص ملفات الفساد قبل إحالتها على القضاء.
ويعد مأمورو الهيئة بمثابة محققين نص المشروع على أنهم “يساعدون رئيس الهيئة في أداء مهامه المتعلقة بتلقي التبليغات والشكايات والقيام بالتحري بشأنها”، وهم أشخاص يجري تعيينهم “لتجربتهم وخبرتهم المهنية، ومشهود لهم بالنزاهة والكفاءة” ممن يتوفرون على شروط يحددها النظام الأساسي الخاص الموارد البشرية للهيئة، وهم يؤدون اليمين أمام محكمة الاستئناف بالرباط.
ويمكن حسب منطوق مشروع القانون، “للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة”، تلقي التبليغات والشكايات والمعلومات والقيام بالبحث والتحري بشأنها، وفي هذا الصدد، فإنه يمكن لكل شخص ذاتي أو اعتباري، وكذا أي رئيس من رؤساء الإدارات، وأي موظف تبليغ الهيئة بأي معلومات موثوقة عن حالات الفساد.
كما يمكن لأي شخص اعتباري أو ذاتي، تضرر من حالات الفساد أن يبلغ الهيئة، شريطة أن يكون تبليغه مكتوبا موقعا باسمه كاملا، وجميع البيانات المتعلقة بهويته، وأن يرفق جميع المستندات والوثائق إن وجدت حول الفساد، ويحدد الجهة المعنية بالفساد.
وإذا تعذر على المبلغ موافاة الهيئة بتبليغه كتابة أمكنه تقديم تصريح شفوي يحرر مضمونه في محضر خاص من قبل مصالح الهيئة، يوقع عليه المبلغ. لكن يمكن للهيئة أن تتصدى تلقائيا إلى كل حالة من حالات الفساد التي تصل إلى علمها.
وتقوم الهيئة بحفظ الشكاية أو التبليغ إذا لم تتضمن أي معطيات أو حجج تثبت حالة الفساد، أو إذا كان الأفعال المبلغ بها موضوع متابعة قضائية أو حكم قضائي صدر بشأنها، أو إذا تبين لرئيس الهيئة أن موضوع التبليغ لا يدخل ضمن صلاحيات الهيئة.
أما إذا تبين لرئيس الهيئة أن التبليغ أو الشكاية تتضمن معطيات تستوجب التدخل فورا لمعاينة حالة من حالات الفساد، فإنه يعين “مأمورا” ليقوم بتحرير محضر بذلك، ويحيل رئيس الهيئة القضية مباشرة إلى النيابة العامة المختصة، وينبغي على الأخيرة إحاطة رئيس الهيئة علما بما اتخذته من تدابير أو قرارات في شأن هذه القضية.
وإذا تبين لرئيس الهيئة أن الشكاية أو التبليغ مستوفية للشروط ولا تتطلب التدخل الفوري والإحالة المباشرة على النيابة العامة، وتتضمن عناصر تتطلب دراستها وفتح ملف بشأنها، فإنه يعين “مأمورا” أو أكثر من مأموري الهيئة، لدراسة الموضوع والتحري في شأن حقيقة الأفعال الوقائع الواردة فيها، وطلب معطيات تتعلق بملف القضية وجمعها والدقيق فيها.
ويقوم المأمور بالأبحاث والتحريات، من خلال طلب المعلومات وجمعها ودراستها وإنجاز محضر يرفعه لرئيس الهيئة.
يمكن لمأموري الهيئة في إطار مهامهم بناء على إذن كتابي من رئيس الهيئة وتحت سلطته، أن يدخلوا جميع الإدارات والمؤسسات والجماعات الترابية ومقرات باقي أشخاص القانون العام، باستثناء المحاكم والمرافق التابعة للإدارات المكلفة بالدفاع الوطني والأمن الداخلي والخارجي. كما يمكنهم دخول المحلات المهنية للأشخاص الذاتيين والاعتباريين، والمقرات الاجتماعية للأشخاص الاعتباريين الخاضعين للقانون الخاص وفروعها، مع مراعاة الإجراءات المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية.
وفي هذه الحالة يتعين مشاركة ضابط أو عدة ضباط للشرطة القضائية في الأبحاث والتحريات، التي يتم القيام بها، ويشعر رئيس الهيئة وكيل الملك المختص قصد اتخاذ الإجراءات اللازمة. ويمكن لمأموري الهيئة الاطلاع على جميع الوثائق الإدارية والمالية والمحاسبية التي تتوفر لدى الجهة المعنية، والتي من شأنها أن تفيدهم، في أبحاثهم وتحرياتهم، بما فيها سجلات العقود والمحررات وتقارير التفتيش والتدقيق والافتحاص.
كما نص مشروع القانون على أنه يمكن للمأمور الاستماع إلى كل شخص قد يتوفر على معلومات مرتبطة بمهمتهم، وتحرير محضر في الحال بهذا الخصوص يوقع من طرف مأموري الهيئة والشخص أو الأشخاص الذين جرى الاستماع إليهم، وفي حالة الامتناع يشار إلى ذلك في المحضر.
وإذا تعلق الأمر بدخول المحلات المهنية يوقع على المحضر مأمور الهيئة وضابط أو ضباط الشرطة القضائية المشاركون في البحث، إضافة إلى الشخص أو الأشخاص الذين تم الاستماع إليهم.
ويمكن لمأموري الهيئة أن يستدعوا إلى مقرها بناء على إذن كتابي من رئيس الهيئة، كل شخص قد يتوفر على معلومات تتعلق بمهامهم وأن يستمعوا إليه ويحرروا محضرا بذلك يتضمن توقيعهم وتوقيع الشخص المعني بالاستدعاء. ومن حق الشخص المعني بالاستدعاء الاستعانة بمحام، ومن حقه الحصول على نسخة من محضر الاستماع. ولا يمكن التذرع بالسر المهني على مأموري الهيئة.
يمكن للهيئة بطلب من رئيسها أن تلتمس من النيابة العامة تسخير القوة العمومية لمؤازرة مأموري الهيئة في القيام بمهامهم.
وكل إهانة أو اعتداء يتعرض له مأمورو الهيئة المأذون لهم، من طرف رئيس الهيئة أثناء قيامهم بمهامهم، يعاقب عليها بمقتضيات القانون الجنائي.
وتكتسي محاضر مأموري الهيئة صبغة قانونية، سواء تلك المنجزة في شأن المخالفات الإدارية والمالية التي تكتسي طابعا جرميا، أو المحاضر المنجزة في شأن جنح الفساد. ويمكن للنيابة العامة إجراء أبحاث تكميلية بواسطة الشرطة القضائية.
يمكن للهيئة طلب الحصول على الوثائق والمعلومات اللازمة لعمل مأموري الهيئة من الجهات المعنية، ويراسل رئيس الهيئة من أجل ذلك رؤساء الإدارات تحت إشراف رئيس الحكومة ورؤساء الجماعات الترابية والمسؤولين عن المؤسسات والمقاولات العمومية وباقي أشخاص القانون العام. كما يمكن الحصول على المعلومات من المؤسسات والهيئات المنصوص عليها في الدستور، وأيضا من الأشخاص الاعتباريين، وأشخاص القانون الخاص، والأشخاص الذاتيين. ويتعرض الشخص الذي امتنع عن تقديم المعلومات للهيئة لمتابعات تأديبية وقضائية. وإذا تبين للهيئة وجود فعل من أفعال الفساد أو مخالفة إدارية أو مالية، تكتسي طابعا جرميا، وجب عليها إحالتها على النيابة العامة.
وتشعر الهيئة الوكيل القضائي للمملكة بالملفات التي أحالتها على النيابة العامة قصد اتخاذ ما يلزم لتقديم مطالبه المدنية نيابة عن الدولة، وفي حالة عدم تقديم الوكيل القضائي مطالبه المدنية خلال أجل 3 أشهر، يمكن للهيئة أن تنتصب مطالبة الحق المدني في القضايا المعروضة على المحاكم، كلما تعلق الأمر بجريمة من جرائم الفساد التي سبق للهيئة إجراء أبحاث أو تحريات بشأنها، أو أحالت نتائج تحرياتها للنيابة العامة لتحريك المتابعة الجنائية.
إذا جرى عرقلة عمل مأموري الهيئة من خلال عدم الاستجابة لطلباتها يمكن لرئيس الهيئة أن يطلب، بناء على محضر مأمور الهيئة من رئيس الإدارة المعني المسؤول عن المؤسسة أو المقاولة المعنية، بتحريك المسطرة التأديبية في حث الشخص المعرقل، دون إخلال بالمقتضيات الجنائية الأشد. ويعاقب الشخص الذي عرقل بأي وسيلة كانت ودون مبرر مشروع مهام الهيئة بغرامة تتراوح بين 10 آلاف و100 ألف درهم. ويمكن تحريك المتابعة الجنائية إذا تبين أن سبب الرفض أو الامتناع هو من أجل إخفاء معلومات ووثائق أو قرائن تتعلق بارتكابه أو ارتكاب غيره فعلا جرميا يستوجب المساءلة الجنائية.
إذا جرى إشعار الهيئة من قبل النيابة العامة بأن بحثا قضائيا قد فتح في الموضوع، فإنها تتخلى عنه، وفي هذه الحالة تحيل الهيئة على النيابة العامة معطيات ملف القضية. كما تصرف النظر عن القضية بمجرد إشعارها من قبل رئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين بأن لجنة نيابية لتقصي الحقائق قد شكلت من أجل الوقائع عينها.
ويستفيد المبلغ أو المشتكي من أفعال الفساد من الحماية التي يستفيد منها الضحايا المبلغون والشهود والخبراء، طبقا لما هو منصوص عليه في قانون المسطرة الجنائية، كما يمكن للهيئة تلقائيا أو بطلب من المشتكي أو المبلغ، إخفاء هويته في محاضرها والوثائق التي تتعلق بها، مع تضمين الهوية الحقيقية في محضر سري خاص يرفق مع ملف القضية الذي تحيله الهيئة إلى النيابة العامة، التي تقرر في شأن سريان إخفاء هوية المعني بالأمر بناء على طلب منه أو تلقائيا.