هل ينبغي أن تستبشر الطبقة العاملة خيرا بانطلاق الحوار الاجتماعي، الذي انعقدت أولى طاولاته أول أمس الأربعاء برئاسة وزير الشغل محمد أمكراز؟ الحوار الاجتماعي هو قاعدة تدبير السلم الاجتماعي، لأنه يجمع أطراف العملية الإنتاجية، الباطرونا وممثلي العمال، أي المركزيات النقابية بالإضافة إلى الحكومة، وإذا اختلت هذه القاعدة انتهى التوازن المطلوب في أي مجتمع، يسير كسفينة واحدة وأي ثقب أو خرم في أحد جوانبها يؤدي إلى الكارثة لا قدر الله.
دعا جلالة الملك محمد السادس في أحد الخطابات، التي افتتح بها الدورة البرلمانية، إلى ضرورة مأسسة الحوار الاجتماعي، لأن جلالته يعرف قيمة الحوار باعتباره رافعة السكينة الاجتماعية والسلم الذي ينبغي أن يؤطر المجتمع حتى يتم تدبير العملية الإنتاجية بشكل جيد ودون توترات. وظلت النقابات منذ زمن بعيد تطالب بمأسسة الحوار الاجتماعي، وتظهر الحاجة إلى ذلك في زمن الأزمات.
لقيد بيّنت الجائحة، التي تمر منها بلادنا، أن الحكومة ضيّعت فرصة كبيرة في تدبير الجائحة لأنها أغلقت باب الحوار الاجتماعي. فالنقابات ليست من نافلة الفعل الاجتماعي ولكنها أساسية وضرورية الوجود، وكان من المفروض أن تكون جزءا لا يتجزأ من لجنة اليقظة الاقتصادية وعنصرا فاعلا، لكن للأسف الشديد لم ينطلق الحوار الاجتماعي إلا لدراسة ما بعد كورونا وكأننا انتصرنا على الفيروس القاتل والفتاك.
المعركة كبيرة جدا وينبغي الاستمرار في التحدي، والتفكير في العمل ضروري لإنقاذ السفينة، ونسيت الحكومة أن النقابات واعية بالظروف التي توجد عليها الطبقة الشغيلة وبالتالي بإمكانها المساهمة بشكل كبير في أي توجه للحكومة نحو إنعاش الاقتصاد الوطني.
لكن وكما يفرض منطق التوازن الذي يسمى بالدارجة المغربية “دوي علينا وجيو من جهتنا”، فإن النقابات أيضا تقاعست في القيام بدورها، لأن المفروض فيها أن تكون شريكا في خطة إنعاش الاقتصاد الوطني عبر التضحية المشتركة بين النقابات والباطرونا، والأهم من كل ذلك هو غيابها عنه تأطير الطبقة العاملة وكأن دورها يقتصر على رفع حزمة المطالب دون أن تقوم بدورها الطليعي في تأطير الطبقة العاملة.
لم تكن النقابة في الأصل تقتصر على ما هو مطلبي، ولكن تقوم بالتأطير القانوني للعمال فأغلب العمال يجهلون قانون الشغل بسبب تخلي النقابات عن دورها، وكان مفروضا أن تلعب اليوم دورا مركزيا في تأطير الطبقة العاملة بخطورة فيروس كورونا، وكان مفروض وجود مناضليها في بوابات المعامل والورشات للتوعية والتضحية. سيقول البعض وأين هو دور أرباب العمل في توفير شروط السلامة الصحية؟
نعم مفروض في المقاولات أن تلتزم بالمعايير المعمول بها في التباعد الاجتماعي وتوفير وسائل النظافة، لكن مفروض في النقابات أن تكون بجانب العمال في التوعية.
لمن لا يعرف أن العمل النقابي يحتاج إلى تضحيات أصحابه بدل انتظار الاستفادة من مراكمة الرأسمال الرمزي، وبالتالي كنا ننتظر من النقابات أن تقوم بواجبها النضالي والانخراط بقوة في توعية الطبقة العاملة.