محمد عفري
انتصر المغرب على كورونا على الرغم من كل الضائقات . في مقدمة هذه الضائقات تأتي الاختلالات التي تعيشها سوق الدواء المغربية ، كما كشف عنها مؤخرا مجلس المنافسة . اختلالات ظلت منذ عقود تشكل ضعفا معيقا ضد نجاح كل السياسات الدوائية المتعاقبة على مغرب ما بعد الاستقلال .
الأرقام المرتفعة لعدد المصابين بعدوى كورونا المستجد في الأيام الأخيرة كما توردها وزارة الصحة ومديرية الأوبئة ؛ وإن كانت مخيفة ، فهي تحصيل حاصل لتتزيل تدابير مخطط تخفيف الحجر الصحي وعودة الحياة العامة إلى طبيعتها المعهودة ، الموسومة بالحركة ؛ سواء تعلق الأمر بحركة استئناف المقاولات مختلفة النوع والقيمة لأنشطتها أو بالانتعاش العام لشريان الاقتصاد الوطني القائم على اليد العاملة الكبيرة وعلى حركة النقل والتنقل والنشاط الصناعي والتجاري والخدماتي ..
ارتفعت وترتفع أرقام المصابين بالعدوى لأن دائرة تتبع ومتابعة المخالطين في البؤر الصناعية والتجارية والخدماتية اتسعت أكثر مما كانت عليه ، لتشمل أولا العائدين من المغاربة الذين كانوا عالقين بعدد بلدان المهجر، ولتتعداهم ثانيا إلى المغاربة الذين خرجوا لتوهم إلى ميادين العمل في الفترة الأولى من دخول قرار مخطط التخفيف بعد عيد الفطر الأخير، قبل أن تتسع دائرة الخارجين إلى الحياة العامة في إطار تقسيم المغرب إلى خارطة صحية وبائية بمنطقتين أولى وثانية ، ثم في إطار المرحلة الثانية من مخطط هذا التخفيف التي تزامنت مع نهاية الأسبوع الأخير والتي ” داب” معها التقسيم الجغرافي الصحي الوبائي المذكور الذي أصبح معه المغرب منطقة واحدة وموحدة باستثناءات معروفة ؛ حيث ضيعة لالة ميمونة المحسوبة على القنيطرة والعرائش كبؤرة وبائية فلاحية ، وطنجة أصيلا ، حيث تم ضبط بؤر صناعية أخرى.
المهم أن المغرب إن كان حقق انتصارا على كورونا مقارنة بباقي الدول ذات السياسات الدوائية الناجحة والبروتوكولات الاستشفائية والصحية الأكثر نجاعة أوفي طريقه إلى تحقيق ذلك؛ فإنما تحقيقه لذلك قد تم عبر خطة دوائية استثنائية ؛ ملؤها إعلان حالة الطوارئ الصحية المرفقة بتطبيق الحجر الصحي على أكمل وجه في الوقت المناسب والأنسب ، كما ملؤها “التضحية ” بالاقتصاد الوطني لصالح صحة وحياة المواطنين ، عبر سد الحدود الجوية والبرية والبحرية مع تجميد الحركة التجارية وما إلى ذلك..مقابل ذلك ، تم تجنيد كل المؤسسات والسلطات والطاقات للوقوف صفا واحدا لمواجهة الوباء ، بداية برجال السلطة والدرك والجيش والأعوان والقوات المساعدة وانتهاء عند الممرضين والأطباء ، وتعدى ذلك إلى بناء مستشفيات ميدانية عسكرية ومدنية عزز بها الطاقة الاستيعابية للمصابين بالعدوى ، كما بناء وحدات مختبرية جديدة قارة وأخرى متنقلة للتحكم في أعداد الموبوئين و تتبع المخالطين.
ترى كيف مآل الحصائل سيكون ، لو تم الرهان على السياسة الدوائية القائمة ، بما أن مجلس المنافسة دق ناقوس الضعف لسوق دوائية مغربية تتميز بالضيق ، بمعدل استهلاك ضعيف للأدوية لا يتجاوز في المتوسط أربعمائة وخمسين درهما لكل نسمة سنويا، في حين أن هذا المعدل يبلغ ثلاث آلاف درهم في أوروبا . بل ترى كيف سيكون هذا المآل وهذه السوق تتشكل في غالبيتها من الأدوية الأصلية مع معدل ضئيل للغاية لمكانة الأدوية الجنيسة التي لا تتجاوز نسبتها أربعين في المائة، في حين أن المتوسط العالمي يناهز حوالي ستين في المائة ، بل كيف المصير وتشخيص أخير لمجلس المنافسة لسوق الدواء المغربي ؛ كشف عن “وجود العديد من الاختلالات” المتعلقة بكافة أبعاد السوق الوطنية للدواء، موضحا أن هذه السوق تسودها حكامة إدارية بالغة التقنين تتطور داخل إطار قانوني “غير ملائم” وأصبح “متجاوزا”.