سنويا يقدم المجلس الأعلى للحسابات حصيلة مراقبته لصرف الميزانيات العمومية، لأن دوره الدستوري هو حماية المال العام من أن تصل إليه أيدي المسؤولين، والتقرير الذي يصدر في مئات الصفحات هو اختزال لمجهود كبير بالتفاصيل الدقيقة، ويسجل المجلس بعد سرد خلفيات كل قضية ملاحظاته، التي هي أساس الحكم على الفعل وعلى الاختلالات في التدبير، وعشرات القضايا تمثل خرقا واضحا للقوانين الجاري بها العمل، لكن السؤال المحوري الذي لا جواب عنه لحد الآن: ما الفائدة من شغل كبير وضخم وجبار إن لم تكن تترتب عليه جزاءات؟
لا قيمة للفعل الرقابي إن لم يحصل مرتكبو المخالفات على العقوبات التي يستحقونها، سواء كانت إدارية أو قضائية، ولهذا أصبحنا نحصي في الرفوف تقارير المجلس الواحد تلو الآخر دون أدنى نتيجة عملية لأنه لا تتم محاسبة من يشير إليهم التقرير بالمخالفات والاختلالات في التسيير والتدبير، وكم من قضايا ذكرها بالوضوح وبأنها تمثل عملا متعمدا لهدر المال ولم يتابع أصحابها.
عدم ترتيب الجزاءات على الملاحظات التي يسجلها المجلس هي التي تطلق يد من يريد أن يلهف المال العام يغير وجه حق، والمال العام ينبغي أن يصرف في أوجهه الحقيقية وإلا أدى ذلك إلى خراب العمران.
اليوم نحن أمام واقعة مهمة في بلد قريب منا وكثير من نخبنا تقلده حتى في مشيته ألا وهو فرنسا. تم الحكم على رئيس الحكومة الأسبق فرنسوا فيون بخمس سنوات سجنا من عامين نافذين، وغرامة مالية قدرها 350 ألف يورو والحكم على زوجته بثلاث سنوات غير نافذة وغرامة مماثلة. اعتبرت المحكمة أن الفعل الذي قام به فيون جريمة قائمة الأركان. المسؤول الفرنسي طمع وانتفخت كرشه كثيرا وتضخمت طموحاته فشغّل زوجته في منصب وهمي.
اعتبر القضاء الزوج مذنبا وكذلك الزوجة لأنها قبلت بذلك. هذا الفعل أمام الأفعال المنكرة التي نراها أمام أعيننا يوميا في المغرب يعتبر لا شيئا. لا أحد يراقب التشغيل، الذي يمكن العثور فيه على كبرى الموبقات وأعظم المصائب.
ما قام به فيون يمكن أن نحيله على ما قام به العثماني، رئيس حكومتنا، الذي ما زال ساكتا عن فضيحة مصطفى الرميد، التي زلزل دويها الأركان. متى سيتحدث العثماني عن الفضائح التي ارتكبها وزيره المعجزة محمد أمكراز. فضيحة موقع رقمي بسيط لوزير سابق كلف 250 مليون سنتيم رغم أنه موقع خدماتي لا يحتاج إلا لأدنى المصاريف ولا خوف عليه من هجوم القراصنة ولا هم يحزنون. الوزير ذهب إلى حال سبيله وهناك من يدافع عنه. الرميد مستهدف. الطالبي العلمي مستهدف. أمكراز مستهدف.
لا يهمنا أن تكون بعض الجهات تستغل هذه الفضائح للربح السياسي فهذا شغلها. ولكن الوقائع حقيقية وبدون محاكمة فيونية ستبقى دار لقمان على ما هي عليه ولن يتغير شيء وستستمر اللصوصية الواضحة والخفية وهذه الأخيرة أدهى وأمر لأنها تمر تحت عباءة القانون.